تواصل القوى السياسية جهودها لحل الازمة القائمة ، ومقابل السير باتجاه الحل تطرق الابواب بوادر وشيكة باتجاه التصعيد متزامنة مع المحاكمة الغيابية الجارية في بغداد للسيد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية الذي يواجه تهما بالارهاب ، المعروف ان الازمة في فصلها الاخير والاشد خطورة بدأت مع توجيه الاتهام الى الهاشمي رسميا ، وحاولت كتلته العراقية مساندته بتعليق حضورها في مجلس النواب والحكومة ثم تخليها عن هذا الخيار تدريجيا ، وتعقدت الازمة عندما قرر مسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان استضافة الهاشمي واعلان منع تسليمه ثم تخليه عن هذا الخيار تدريجيا ، ثم ظهور الافتراق في الصف الكردي حول الموضوع ، وجاء التصعيد التالي عندما دخلت تركيا وقطر والسعودية على الخط وتداولت البلدان الثلاثة قضية الهاشمي وكأنها قضية تخصهم مع ان الامر يتعلق بالعراق كبلد له سيادته ، وهاجم رئيس الوزراء رجب طيب اوردغان حكومة العراق مرات عديدة متهما اياها بالطائفية وحدثت تراشقات وقيل آنذاك ان اوردغان مكلف ، وكلامه مدفوع الثمن ، ويعمل على القطعة ، وجاء تصعيد آخر عندما قرر الهاشمي السفر والتجول في الخليج وتركيا وكأن شيئا لم يكن ، فهو بذلك يعبر رمزيا عن عدم اعترافه بالقضاء العراقي وكانت تلك العواصم التي استقبلته اشد تجاهلا للقضاء وسيادة العراق ، واثيرت تساؤلات حول خروج الرجل من المطارات العراقية علنا دون ان يمنعه أحد ، وتذبذب موقف الهاشمي بين انكاره التهم الموجهة اليه في الاعلام وبين اعلانه الاستعداد لمحكمة تعقد في كردستان لاعتقاده بان الاقليم اعدل من المركز واكثر تقوى ، ثم تنازل واقترح عقد المحكمة في خانقين ، فهو يبحث عن العدالة المنشودة في منطقة متنازع عليها ! كما يسميها الكرد ، الا ان القضاء في بغداد لم يغير رأيه واتبع الاصول المعمول بها في المحاكمات ، فاعلن ان المحكمة تعقد في بغداد وان لم يحضر المتهم يحاكم غيابيا ، واعلن الخميس الثالث من ايار الجاري موعدا لاولى المرافعات غيابيا ، ثم اعلنوا تأجيلها ، في وقت يقيم الهاشمي في شقة استأجرها في اسطنبول ويقال ان كتلته ارسلت اليه طاقم حماية من بغداد ، ربما تكون محاكمة الهاشمي حافلة بالاثارة التي ستؤدي الى رواج سوق الاعلام بالعناوين الكبيرة والتقارير والبحث عن السبق ، وستلعب الاثارة دورها في تضخيم امور كثيرة ، وازدهار الاشاعات ، وربما يقابل وقائع المحاكمة تجدد في العمليات الارهابية كما هو حاصل في الازمات السابقة ، وقد تحمل طاولة المدعي العام تهما جديدة وتفاصيل مفاجئة تسبب احراجات جديدة لحلفاء الهاشمي والمدافعين عنه فيضطرون الى اثارة تصعيدات في الشارع لتحويل الاضواء ، فقد تثار من جديد ورقة اربيل والمطالبة القطعية بتطبيقها ، ولن يكون هناك تهديد بكشف محتويات تلك الورقة لأنها اصبحت علنية جدا ونشرت محتوياتها كي لا يهدد أحد بتسميتها وثيقة سرية ثم يبشر بكشف تفاصيلها ، ومن يقرأ محتويات تلك الوثيقة المنشورة يصاب بصدمة ويتخيل انها مزحة ، فقد اتضح ان كل ما حوته الورقة هو مجرد مطالبات علنية مستهلكة اعتاد على سماعها العراقيون ساسة وشعبا في الاخبار والحوارات والخطابات ، والغريب ان الحكومة نفسها تتبنى تلك الموضوعات المملة وتنادي بها ليل نهار وقد حفظها حتى طلاب المدارس عن ظهر قلب ، فهي لا تصلح ان تكون شروطا خاصة لحل ازمة ولا تصلح ان تكون موضوع سبق مثير لكشف الاسرار ، انها مجموعة بديهيات ادارية وأمنية وخدمية ومقترحات للتوازن في توزيع المواقع . القائمة العراقية بامكانها ان تواجه هذه الازمة بطريقة مغايرة خاصة وان في صفوفها ساسة حكماء كانت لهم مواقف جيدة في الازمات وقد اكتسبوا احترام الشارع ، واثبتوا انهم اهل دولة وسياسة ، ولو تم السماح لهذا الفريق الحكيم الواقعي ان يتصدى لادارة الازمة وبلورة موقف القائمة والتعاطي مع هذا الملف لتغير مجرى الاحداث . من جهة كردستان ربما يبادر السيد مسعود البارزاني الى استغلال هذا التحول المثير في قضية الهاشمي اي وقوع المحاكمة فعلا ويثير ملفات جديدة خاصة وانه يشعر بأن مبادرته لضيافة الهاشمي لم تأت بنتيجة ، ومبادرته الدخول على خط التعاون الاقليمي لم يأت بنتيجة ايضا ، والتحرش بانابيب النفط لم يكن مجديا حيث قرار الحكومة خصم الخسائر الناتجة من موازنة الاقليم ، وغير ذلك ربما يجرب ثانية في اثارة ملفات أخرى ، لا بأس فالسياسة فن الممكن ، وقد لايجد السيد البارزاني تجاوبا كافيا من شركاءه في التحالف الكردستاني ، لذا فدور البارزاني في هذا الملف يقترب من النهاية . محاكمة الهاشمي غيابيا في بغداد ليست في صالحه لأنها تؤكد الاتهامات الموجهة له ، مما جعل المراقبين يجمعون على ان الاجراء الافضل الذي يمكن الهاشمي ان يفعله هو الحضور الى المحكمة في بغداد بكل شجاعة مع فريق محاميه ، يحضر بقوة البريء ويستمع الى لائحة اتهامه ويدافع عن نفسه بالتعاون مع المحامين خاصة وان له فرصة توكيل افضل من يريد من المحامين ، وعندما يكون الرجل بريئا فان الله معه والملائكة والناس اجمعين ، واذا كان الاستاذ الهاشمي حريصا على بلده ولديه كل هذا الماضي المشرف من التضحيات لاجل العراق فان افضل خدمة يقدمها لبلده هو ان يثبت فشل السلطة القضائية وانحيازها وقصورها وفقدان العدالة في اعمالها ، يؤكد هذا المضمون في قاعة المحكمة مثلما اكده من على المنابر الاعلامية ، ويطالب بنقل المحاكمة على الهواء لكي يعرف الناس حقيقة ما يجري بشفافية كاملة فالتهم التي وجهها الهاشمي وكتلته الى القضاء العراقي تهم كبيرة وخطيرة والواجب الوطني يتطلب ان يتصدى الرجل لاثبات هذه التهم لكي ينقذ بلاده من سلطة قضائية ظالمة وخطيرة . المعتدلون في هذا البلد يؤكدون ضرورة احترام القضاء وحفظ استقلاله وعدم تسييسه ، وهي من بديهيات الخطاب الجاهز ، ولكن القضاء في العراق مثل الدستور كلاهما يلعب دور الحكم في المباراة ولكن الحكم يحتاج الى حماية ، واذا رأيت حكم المباراة كلما رفع كارتا احمر او اصفر بوجه لاعب مخطئ جاءته اللكمات من كل جانب فهل هذا حكم فعلا ، من يحمي الحكم من غضب اللاعبين ؟ تحميه الفيفا ، نحتاج الى فيفا سياسية تحمي الدستور والقضاء من اللاعبين المخالفين خاصة وانهم لا يتعاملون مع الحكم بالراشديات بل بالمفخخات .