كثيرا ما نخوض في مواضيع السياسه والسياسيين...والناس اجمعين...من جانب الوهم او الحقيقه؟؟ وهل يحدد ذلك من النجاح المنشود في السياسه ..وما يتبعها....لنعلم ان النجاح ايضاً مسألة نسبية تحددها طبيعة الهدف الذي تسعى اليه حكومة ما أو حركة سياسية أو حزب أو فرد.... فرق شاسع بين النجاح في الحصول على منصب أو المشاركة في وزارة أو كسب رضا هذا الطرف أو ذاك، أو النجاح بدرجة مقبول كما يصطلح عليه في الجامعات وبين تحقيق هدف كبير له اثره البالغ في الحياة الاجتماعية...
وليس من عادتنا ان نشيع اليأس...، أنما على العكس نحن دائما متفائلون وندعوا للتفاؤل......
لكننا لا نريد ان نخدع انفسنا أو نخدع الآخرين، (ونجعل من الحبة قبة) كما يقول المثل الدارج...
ذلك لان النجاح الحقيقي شيء وتوهم النجاح أو النفخ فيما تحقق شيء آخر على النقيض...
فبعد صناعة الوهم لا بد وان يرى الناس الحقيقة، ولا بد للمعني أو المعنيين ان يصدموا بواقع مر ليكتشفوا أنهم قد شيدوا على الرمال ما لا طاقة للرمال على حمله... وسيكون هذا مصدراً للإحباط والبأس، وسيضع كل ما سوف يقال موضع الريبة والشك عند الآخرين...
ان النجاح الحقيقي في ظننا هو يوم يمتلك العراق سيادته كاملة على أرضه ومياهه وسمائه، وان يقرر السياسات في كل الميادين بنفسه دون وصاية من احد، ودون تدخل من أي طرف إقليمي ودولي.. فالشعب العراقي ليس طفلاً يحبو في ميادين السياسة لكي يقيمه الآخرون، ويأخذون بيده بل ان هذا الشعب هو المؤسس للحضارة، وهو الباني لأكبر الإمبراطوريات في العصرين القديم والوسيط... لكننا نقر بان مشكلة شعبنا، في القرون الأخيرة، انه دائما مكبل اليدين، وان خزين المعارف والخبرات المقيدة في الحياة تذهب مع أصحابها الى باطن الأرض.
والنجاح الآخر هو ترسيخ وحدة العراقيين ارضاً وشعبا ترسيخا لن تنال منه الفتن والدسائس، والمؤامرات، والمناورات، ويعلو على كل مطلب فئوي أو شخصي...
والنجاح أيضا هو في اقرار الأمن والسلام بما يكفل للمواطن حريته في عمله، وفي الشارع، وفي داره، وحريته في ان ينام هادئ البال غير متوجس ولا وجل...
والنجاح الآخر هو ان لا نرى عاطلاً عن العمل في بلد زاخر بالخيرات وتقتطف فيه الثمار اقتطافا... وان يتوفر لكل فرد، ولكل أسرة دخل يضمن لها حياة كريمة، تبعد عنها شبح الجوع والعري والحاجة والاستدانة وكل ما يجعل الإنسان ذليلا...
والنجاح يتحقق في السكن الصالح الذي يليق بإنسانية الإنسان، وفي البيئة النظيفة الخالية من المستنقعات، والحفر، والمطبات، والبعوض والذباب، والإمراض....
وليس في دور من البردي والقصب أو من الحصران، الدور ذات الجدران المتهالكة، وليس في الازقة المملوءة عفونة، ولا في قرى مهملة لا ترى من الدنيا غير ريح السموم والغبار...
والنجاح عندما تكون كل مدارسنا نموذجية، في مناهجها المعاصرة وفي طرائق التدريس الحديثة وفي أبنيتها وفي معلميها ومدرسيها المقتدرين.
والنجاح هو مشافي يتوفر فيها الطبيب المختص، والممرض المتمرس والاجهزة الحديثة، والدواء، ولا ننسى النظافة، فلا نتوهم النجاح في مشافي تجوبها الكلاب والقطط السائبة والصراصير والفئران والعاطلة المصاعد والخالية حتى من المراوح، والتي تعتبر فيها النظافة رجس من عمل الشيطان.
والنجاح هو تشييد البنى الارتكازية، من طرق، وجسور، ومحطات لتوليد الطاقة، ووسائل الاتصال والمواصلات، وليس هناك نجاح والناس يعيشون على ضوء الفوانيس ويواجهون القر والحر دون ساعة راحة...
والنجاح هو في تشغيل المصانع المعطلة للقطاعين الخاص والعام وفي بناء الأسس أو على الأقل وضع الخطط لبناء صناعة حقيقية وليس صناعة تعبئة المواد المستوردة بقناني مستوردة...
والنجاح هو في مكننة الزراعة والقضاء على آفاتها وشق الترع والمبازل والعناية بالقرية الريفية لتصلها الطاقة والماء النقي... وإيجاد الوسائل لتسويق المنتجات الزراعية بما يكفل للمزارع دخل يساوي جهده... وليس في هذا الإهمال الذي هو شاخص للعيون... وكأن الغذاء الذي يعاني العالم من أزمة فيه تستفحل مع الأيام نقول كأن غذاء الشعب شيء ثانوي...
والنجاح يكمن أيضا في أعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس قويمة، ليس من بينها الرشوة ولا الفساد ولا الروتين الذي يجعل الاستشهاد الواحد يستغرق أياما بل اشهراً... نريد مؤسسات متطورة تستخدم في بريدها الكومبيوتر وليس البعير، ونريدها ان تفهم هدفها اولاً، وان تهيئ الوسائل المبتكرة لتحقيق هذا الهدف وليست هي مقاهي لاستهلاك الوقت...
وعلى طريقة بني لام ( العمر على الله والرزق على الحكومة)...
والنجاح هو عند المسؤول الذي يعمل وينجز وليس عند المسؤول الذي يعلن ( في النية عمل كذا وكذا!...) فما نفع النوايا اذا لم تتحقق!؟ ان الطريق الى جهنم محفوف بالنوايا الطيبة كما يقولون...
حسنا لقد تحقق ما تحقق ونحن نحمد الله على ذلك، ونبارك كل جهد قد بذل، ولكن ما يضيرنا حقاً هو هذه المبالغات من البعض التي صار المواطن يسمعها ولا يبالي بها الى درجة بات لا يصدق حتى الحقيقة لأنه مفجوع بالكذب ..
ثم ما يضيرنا هو هذا التبجح الذي يغمر البعض لأنه حصل على مكسب أو منصب وأحيانا بالجهل وعلى حساب الوطن ومصالحه...
ومرة أخرى، نحن لا نريد ان نزرع الباس في النفوس بل ندعوا للتفاؤل...
فلنضع الأسس القويمة لتفاؤل حقيقي، وليس التفاؤل بسحابة صيف لا تلبث ان تنقشع دون قطرة ماء...
فليكن هدفنا حرية الشعب وأمنه وسعادته اولاً وقبل كل شي... فذلك والله هو النجاح. ..
وعلينا التمييز ما بين حقيقة نجاحنا السياسي....والاوهام التي غزت عقول البعض في هذه الايام ...وفي مستقبل الايام.........
الدكتور
يوسف السعيدي