الإمام جعفر الصادق نتاج قرن كامل من العظائم
يحني لها الوجود البشري هاماته ويدين بحضارته... فاتح العالم الفكري الجديد.
وهو شجرة باسقة تترعرع في كل ورقة من أوراقها خصيصة من خصائص أهل البيت في عصر جديد للعلم، تعاونت فيه اجيال ثلاثة متتابعة منه ومن أبيه وجده.
المستشار عبد الحليم الجندي. {وكانت داره جامعة كبيرة تموج بالحكماء وأهل العلم يجيب على اسئلتهم ويحل مشاكلهم، دون التفات إلى نحلهم ومذاهبهم أو فرقهم ومقاصدهم، وقد جمع أصحابه المتقربون اليه دروسهم في أربعمائة كتاب وسموها الاصول الأربعمائة.
وكان الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في المقالات والديانات فكانوا أربعة آلاف رجل.
وله كلام في صناعة الكيمياء، وكان تلميذه جابر بن حيان قد ألّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة تتضمن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة.
وقد شهد له الرواة والباحثون والمؤلفون بالعلم والمعرفة، وفيما يلي نستعرض أقوال بعض منهم:
اليافعي: السيد الجليل سليل النبوة ومعدن الفتوة، وانّما لقب بالصادق لصدقه في مقالته، وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها.
كمال الدين محمّد بن طلحة: هو من عظماء أهل البيت وساداتهم، ذو علوم جمة... يتتبع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحره جواهره.
ابن حجر الهيثمي: نقل الناس عنه من العلوم ماسارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان.
محمّد أمين السويدي: كان بين اخوته خليفة أبيه ووصيه نقل عنه من العلوم مالم ينقل عن غيره.
روى عنه اولاده، وفقهاء عصره وائمة المذاهب ومنهم: مالك بن أنس، وأبو حنيفة، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، ومعاوية بن عمّار، ويحيى بن سعيد الانصاري.
قال عنه محمّد ابو زهرة: كان له فضل الاستاذية على أبي حنيفة ومالك، فحسبه ذلك فضلاً، ولايمكن أن يؤخر عن نقص، ولا يقدّم غيره عليه عن فضل، فهو ممن جمع اللَّه تعالى له الشرف الذاتي والشرف الاضافي.
وكان استاذاً لسفيان الثوري وكان يقول له: لا أقوم حتّى تحدثني.
وكان ابو حنيفة يقول: لولا السنتان لهلك النعمان.
وقال أيضاً: مارأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمّد... فكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها: كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون: كذا وكذا، ونحن نقول: كذا وكذا... ثم قال ابو حنيفة: اليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.
واعترافاً منه بهذه المرجعية سئل مرة: إذا قيل عن البعض انّه وقف ماله للامام فمن يكون المستحق ؟ فقال: يكون المستحق جعفر الصادق، لأنّهن هو الإمام بالحق.
وكانت هذه الفتوى منه سبباً لنقمة العباسيين عليه وانزالهم به بعض المظالم.
وكان الامام مالك قد تلقى العلم منه في اوقات معينة، وكان يقول: لقد اختلفت اليه زماناً... وكان من العلماء والعباد والزهاد الذين يخشون اللَّه... وجعل يعدد فضائله ومارآه من فضائل غيره من اشياخه في خبر طويل.
ولكنّه لم يرو عنه في ايام بني امية حتّى ظهر أمر بني العباس، وكان لايروي عنه حتّى يضمه إلى آخر.
وكان مرجعاً في حماية العقيدة من التيارات العقائدية والفلسفية والالحادية، وكانت له مواقف حاسمة من الغلاة والزنادقة والوضاعين، وهو الذي فتح باب التخصص في العلوم.