لـو أن عـبداً أتى بالصالحات غداً
وودّ كــل نـبي مـرسل وولـي
وقـام مـا قـام قـوَّاماً بلا كسلِ
وصـام مـا صـام صوَّاماً بلا ملل
وحـجَّ ما حجَّ من فرضٍ ومن سننٍ
وطـاف بـالبيت حـافٍ غير منتعلِ
وطـار فـي الجو لا يأوي إلى أحدٍ
وغاص في البحر لا يخشى من البللِ
وعـاش فـي الـناس آلافاً مؤلفة
خـلواً من الذنب معصوماً من الزللِ
يـكسو الـيتامى مـن الديباج كلهم
ويـطعم الـبائسين الـبر بـالعسلِ
مـا كان في الحشر عند الله منتفعاً
إلاّ بـحب أمـير الـمؤمنين عـلي
لقد أصطفى الله عزوجل وليه أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) بموضع مولده ، فجمع ـ مع طهارة مولده ـ شرف المحل ، محل الولادة ، في البيت العتيق في الكعبة الشريفة .
وتمتع مولانا الامام علي (ع) بخصوصية ومكرمه مميزة وعناية ربانية . . . وذلك اعدادا له (ع) فهو وزير الرسول (ص) . . . والقرأن الناطق . . . ومن قرأ التاريخ وجد أن يعسوب الدين وقائد الغر المحجلين هو الذي هدم الاصنام في الكعبة ولم يعبد صنما قط واول من أمن برسالة .
قال العلامة السيد رضا الهندي :
لـما دعاك الله قدما لان تـولد فـي البيت فلبيته
شـكرته بين قريش بأن طهرت من أصنامهم بيته
فقد وضعت فاطمة وليدها في البيت العتيق ! في مكان عبادة لا ولادة ، أليس ذلك بالشيء العظيم ؟!
وعن قريب سينهض هذا الوليد على كتف رسول الله ليلقي بها أرضاً ، تحت بطون الأقدام ! !
وكان مولده (ع) في يوم الجمعة ١٣ رجب ( شهر الله الاصم ) بعد عام الفيل بثلاثين سنة (٢) .
قبل البعثة بعشر سنين ٣ .
حوالي عام ٦٠٠ م ( ٢٣ قبل الهجرة ) . . . فرب العزة أمر ان يكون ولي وفيه الايمان . . . قال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . . . وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (٤) .
والإمام علي عليه السلام وإن لم يكن نبي لختم النبوة ، لكنه وصي نبي وله جميع خواص النبوة الأخرى في هداية الناس وتبليغ أحكام الله التي لا يحق لكل إنسان أن يبينها إلا لمن يكون له عناية من الله تعالى .
وحصرا وردت ايه الهداية للعباد به (ع) فقال تعالى : ( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٥) .
وولادة امير المؤمنين (ع) دليل على امامته ، فغرض الولادة هو لكي يتبعه الناس ويصدقونه بعد النبي الأكرم ، فتكون هذه الخصوصية والآية تأييد لإمامته وولايته على المؤمنين بعد رسول الله (ص) .
وتواترة ولادته الميمونه عند كافة المسلمين . . . قال العلامة الأميني (رض ) :ولادته صلوات الله عليه في الكعبة المعظمة ، وقد انشق جدار البيت لامه فاطمة بنت أسد فدخلته ثم التأمت الفتحة ، فلم تزل في البيت العتيق حتى ولدت مشرف البيت بذلك الهبوط الميمون ، وأكلت من ثمار الجنة ، ولم ينفلق صدف الكعبة عن دره الدري إلا وأضاء الكون بنور محياه الأبلج ، وفاح في الأجواء شذى عنصره الأقدس ، وهذه حقيقة ناصعة أصفق على إثباتها الفريقان ، وتضافرت بها الأحاديث ، وطفحت بها الكتب ، فلا نعبأ بجلبة رماة القول على عواهنه بعد نص جمع من أعلام الفريقين على تواتر حديث هذه الإثارة .
يقول العقاد (٦) .
ـ ولد علي في داخل الكعبة ، وكرم الله وجهه عن السجود لأصنامها ، فكأنما كان ميلاده ثمة إيذانا بعهد جديد للكعبة وللعبادة فيها ، وكاد علي أن يولد مسلما ، بل لقد ولد مسلما على التحقيق إذا نحن نظرنا إلى ميلاد العقيدة والروح ، لأنه فتح عينيه على الأسلام ، ولم يعرف قط عبادة الأصنام ، فهو قد تربى في البيت الذي خرجت منه الدعوة الأسلامية .
قال الشاعر : تلك ولادة أكرمه الله بها ، فشاركته أمُّه الكريمة في فخرها . . . عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق بني عبد العزى إزاء بيت الله الحرام ، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وكانت حاملة بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) لتسعة أشهر ، وكان يوم التمام ، فوقفت إزاء البيت الحرام ، وقد أخذها الطلق ، ورمت بطرفها نحو السماء . . . روى الشيخ الطوسي ( قدس سره ) (٧) .
و جاءت متعلِّقة بأستار الكعبة الشريفة ، من شدة المخاض ، مستجيرة بالله وَجِلةً ، خشية أن يراها أحد من الذين اعتادوا الاجتماع في أُمسياتهم في أروقة البيت أو في داخله ، فانحازت ناحية وتوارت عن العيون خلف أستار البيت ، واهِنةً مرتعشة أضنتها آلام المخاض ، فألصقت نفسها بجدار الكعبة وأخذت تقول ( يا ربِّ ، إنِّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإنِّي مصدِّقة بكلام جدِّي إبراهيم وأنَّه بنى البيت العتيق ، فبحقِّ الذي بنى هذا البيت وبحقِّ المولود الذي في بطني الا ما يسرت عليَّ ولادتي ) .
قال يزيد بن قعنب : فرأيت البيت قد انشقَّ عن ظهره ، ودخلت فاطمة فيه ، وغابت عن أبصارنا وعاد إلى حاله ، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح ، فعلمنا أنَّ ذلك من أمر الله تعالى ، ثُمَّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام (٨) .
وهناك عدة امور تدور في الاذهان ! اكيد هناك باب للخروج والدخول في الكعبة ! ! ! ولكن الله تعالى أمر للجدار أن ينشق ليكون خير دليل على مكانة أمير المؤمنين (ع) . . . وهذا الدليل لازال موجودا الى يومنا هذا بالرغم من تجدد بناء الكعبة في كل قرن وعام .
ورغم أنهم قد ملأوا أثر الانشقاق بالفضة والأثر يرى بكل وضوح على الجدار المسمى بالمستجار . . . ووصل الخبر إلى أبي طالب ، فأقبل هو وجماعة وحاولوا ليفتحوا باب الكعبة حتى تصل النساء إلى فاطمة ليساعدنها على أمر الولادة ، ولكنهم لم يستطيعوا فتح الباب ، فعلموا أن هذا الأمر من الله سبحانه وتعالى .
وحدثت السيدة فاطمة بما جرى عليها في الكعبة ، قالت : فجلست على الرخامة الحمراء ساعة ، وإذا أنا قد وضعت ولدي علي بن أبي طالب ولم أجد وجعاً ولا ألماً .
وبقيت السيدة في الكعبة ثلاثة أيام ، وانتشر الخبر في مكة ، وجعل الناس يتحدثون به حتى النساء ، وازدحم الناس في المسجد الحرام ، ليشاهدوا مكان الحادثة ، حتى كان اليوم الثالث ، وإذا بفاطمة قد خرجت ـ من الموضع الذي كان قد انشق لدخولها ـ وعلى يدها صبي كأنه فلقة قمر وأسرعوا المتجمهرين إليها فقالت : معاشر الناس ، إن الله عز وجل اختارني من خلقه وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي ، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنها عبدت الله سراً في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطراراً ، ومريم بنت عمران ، حيث هانت ويسرت ولادة عيسى فهزت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطباً جنياً وإن الله تعالى اختارني ( فضلني ) عليها وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين لأني ولدت في بيته العتيق ، وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأرزاقها . . . الخ (٩) .
أنشد الحميري :
وَلـدَتْهُ في حرم الإله وأمنه والبيت حيث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة طابت وطاب وليدها والمولد
ما لُفَّ في خِرَقِ القوابِل مِثلُه إلاّ ابـن آمـنةَ النبيِ محمّد
اقبل رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) فلما رآه عليا عليه السلام جعل يهش ويضحك فرحا ، فأخذه النبي (ص) وقبله وحمد الله على ظهور هذا المولود المبارك الذي كان يعلم انه سيكون له احسن وزير وخير أخ وولي وأول منيؤمن به ، وبه تتحقق أمل الرسول الاعظم بنشر الرساله و الدين .
سلم علي عليه السلام على رسول الله ثم قرأ هذه الايات : بسم الله الرحمن الرحيم .
قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) قد افلحوا بك . . . وقرأ تمام الايات الى قوله تعالى : ( اولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون . .) . وقال رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ): انت والله اميرهم تميرهم من علومك فيتمارون وأنت والله دليلهم وبك يهتدون .
وروى الكنجي الشافعي بإسناده عن جابر بن عبد ال�%