نقفُ بإجلال وإكبار للشهيد الخالد المخلد آية الله محمد باقر الحكيم .. وان حضوره الدائم بيننا لن يزول أبدا , لان تاريخه المشرق والمشرف وتراثه الماجد يغذي أفكارنا ونفوسنا وضمائرنا بخضم هائل من القيم الأصيلة , والشمائل النبيلة , والمبادئ العظيمة .. فقد أرسى ( رحمه الله وقدس سره ) قواعد ثابتة وشامخة للتضحية والصراحة والإقدام والاقتحام والمنازلة الشريفة , وقد قدم حياته الغالية في رياض التاريخ من اجل الإسلام المحمدي العظيم , ومن اجل هذا الشعب الذي وجد فيه الثائر المنتفض والملتزم بالشجاعة , وقد خلف شهيد المحراب الحكيم وراءه سجلا مشحونا بالأصالة والإبلاغ والإبداع .. وان أروع ما خلفه هو أخوه عزيز العراق حيث كان عبد العزيز الحكيم صارما وحازما من اجل الحق والحقيقة .
إن الشهيد محمد باقر الحكيم برهن للجميع بأنه حكيما وقدوة شماء لنظافة اليد والضمير, وقد اثبت عبر تاريخه بأنه جبلا شامخا مثابرا من اجل هذا الشعب المبتلى الذي وجد في سماحته الأمل المؤمل لمستقبل امثل وللحياة الحرة الكريمة , وللحرية الحقيقية التي لا تشوبها شوائب الادعاء والمتاجرة .. فهذا الرجل الإنسان (الشهيد محمد باقر الحكيم ) قد عبر بكل صلابة وإيمان على انه يسير على هدى من تعاليم والده الراحل آية الله العظمى محسن مهدي الحكيم وأستاذه الشهيد محمد باقر الصدر , وقد واصل الراحل الحكيم درب الإنسان والإنسانية بكل صمود وتحدي وواصل المسيرة ورفدها بطاقات استثنائية وعطاءات متفردة .
وإنني انطلاقا من هذه القناعات الضمنية أؤكد وبالخط العريض أن أمام كل كاتب شربف جريء وشجاع مسؤوليات جسيمة , والتزامات عظيمة وكبيرة تحتمها المرحلة الحالية القلقة والمشحونة بالمشاحنات والمضاربات والمزايدات بين المكونات والائتلافات , وان الأغلبية الغالبة من الذين احتفوا بذكرى رحيل شهيد المحراب واحتلوا الكراسي والمواقع الأمامية لمجلس التأبين , وأكثر الذين يستعرضون أشكالهم إمام الكاميرات وكأنهم ممن اقتفوا اثر الحكيم الراحل وبحركاتهم الصبيانية الاستعراضية يريدون ان يقولون للأخر بان المصاب مصابنا وما انتم أيها الجالسون في دائرة بعيدة عن الأضواء لا تعدون سوى غرباء وحسب .
أقول :- وبكل شجاعة ومهما كان الثمن : إن كل هموم أبناء الشعب العراقي المتعب الذي أثقلته المصاعب والمصائب والهموم ينظرون إلى النماذج الأنفة الذكر بازدراء ولسان حال المواطن العراقي يقول :- هل استطعتم أيها المحتفون أن تنقلوا المواطن العراقي المتعب والمقهور والفقير نقلة نوعية ذات مزايا خدمية وشعبية ..؟ هل فاجأتم الجماهير المرتقبة لهذه المناسبة بإجراءات استثنائية كالتصالح فيما بينكم والتآخي والتالف ..؟ أم جلستم موحدون نظريا ومتنازعون ميدانيا والمواطن يطحن ويحرق بنيران المنازعات والاختلافات وهو بحاجة ماسة ( المواطن ) الى العطاءات الكبيرة حيث تتكوم أمامه تلال من المطالب الملحة , ولعل على رأس تلك المطاليب هي ترسيخ التصافي والتوالف والألفة والوحدة التي بدأت تتعرض إلى الخنق و الاختناق والقتل , وهذه الحالة وغيرها من الحالات المزعجة بالتأكيد غير خافية على المواطن البسيط وهو الذي يعي تفاصيل اللعبة ومنحنيات الواقع وما يخبئ تحت الستارة من أسرار وأسرار تتقاطع مع إرادة وطموحات الجماهير المقهورة والمتعبة والفقيرة .
أيها السادة المحتفون :
ثقوا وصدقوني بما أقول : بان معظم المواطنين لم ولا ولن يعلقون عليكم آمالا كبيرة .. وان الجماهير الآن على أحر من الجمر وينتظرون بلهفة وشغف انتهاء مدة تربعكم على كراسي البرلمان والوزارات , ومتشوقون إلى وجوه أخرى غير وجوهكم بعد انتهاء مدة حكمكم التي حدده الدستور .. وان الغالبية الغالبة من الشعب يعتقدون بل يجزمون بأنكم بعد هذا التاريخ المحدد ستندمون لأنكم انشغلتم بنزاعاتكم وتركتم ما ينشدوه المواطن من خير وانجازات .
وان الذي نؤكده لكم أن شهيد المحراب لم يكن يوما طالبا دنيا ولا منصبا ولا دينارا ولا دولارا , بل نهض وجاهد وسجن وعذب واستشهد من اجل الإسلام والقيم والمبادئ والوطن والإنسان والإنسانية , فأين انتم من نهجه وسلوكه ..؟ .
وعندما اطرح هذه الحقائق الثبوتية أمام الرأي العام والتي لا يتحملها المسؤولون .. فإنني اطرحها للتاريخ وأمام الشرفاء لأنها حالات و حوادث مدانة ومرفوضة من الجماهير, ولهذا يجب على الكتاب والصحفيين الأفذاذ الشجعان الذين يمتازون بالمنازلة والصدق والنقاء لتبيانها وكشفها وتوضيحها للمواطن لكي يتجنب العثور مرة أخرى بنفس الحجر.. وإنني اعلم علم اليقين سينبري بعض المتحكمين إلى منازلتي قضائيا لأنهم لا يمتلكون ثقافة الحوار والحوار الحضاري والرد المقنع الذي كفله لهم القانون , . فمن ينطق الحق يجب أن يتهيأ لدفع المليارات وإلا يجب عليه أن يبلع لسانه وينزوي في وادي النسيان كي يبقى المتحكمون يسرحون ويمرحون ولا يخيفهم أي لسان أو قلم في العراق المنهك والمنتهك .
فهل ترتضي هذه الحالة يا شهيد المحراب ..؟؟ فقد بلغ الأمر حدا لا يطاق , وان بعض المسؤولين يريدون من الصحفيين أن يتحولوا إلى أبواق لهم وهذا ما لا يقره أي صحفي يمتلك لسانا وقلما ناطقا وفكرا ثاقبا ورأيا جريئا , فالحق يعلى ولا تعلى عليه يد . وقد صدق الشاعر عندما قال :
كل المسائلِ مرةٌ وسكوتنا عنها أمر
سكتُ وقلبي تغلي فيه مراجلُ وان سكوت المرء للمرء قاتلُ
اجل أنت تعلم يا شهيد المحراب بان الصحافة هي لسان الشعب , ومرآة الواقع , وإنها السلطة الرابعة .. وان الصحفي عليه مسؤوليات ضخمة وجمة ولا يهادن ولا يساوم الباطل والزيف والبهتان بل انه ينازل ويقارع ويفضح ويدين في ساحة مكشوفة كل السلبيات والاحباطات والتجاوزات والانتهاكات والسرقات وكل ما هو مخالف للشرع والقانون .
إن أسوء قرار يتخذه المسؤول المدان هو حضوره هكذا احتفاليات مقدسة وذكريات محمدية عطرة .. فالكاتب والصحفي العراقي النظيف والجريء والمخلص اليوم مهدد ببشاعة , ومحاط بأفاع وحيتان تنقض عليه إذا جاهر بالحق والحقيقة . وكم هو سيء ومسيء هذا التحامل على الشرفاء ..؟ وكم هو مضحك ومزر ..؟ وكم هو بشع وطامع وجشع عندما يطالب مسؤول متخم بالدولارات والدنانير والقصور والامتيازات بان نقتفي اثر شهيد المحراب ونتعلم منه ..!! جناية هكذا مسؤول انه نطق حقا وأعلن ذلك جهرا وهو لا يمتلك ذرة من نهج وسلوك الشهيد الراحل الخالد المخلد محمد باقر الحكيم .
وان الطامة الكبرى , والمصيبة العظمى أن رفاق الدرب الطويل مع شهيد المحراب وطلابه ومريديه ومحبيه لا مكان لهم في هذا الاحتفاء وأصبحوا غرباء وأضحوا أجانب ولا مكان لهم بين الأدعياء وأعداء شهيد المحراب وعزيز العراق.. والأيام والأشهر والسنون تنسلخ من عمر الزمن والمجاهدون القدامى , وأصحاب التاريخ النظيف واليد البيضاء والذين مازالت أثار سياط البعث على أكتافهم يعيشون في سجن المحن والنكبات والكوارث والحرمان ... فهل من المعقول والمتوقع أن المجاهدين الشرفاء والاصلاء والذين قارعوا النظام الصدامي المقبور أكثر من ربع قرن يعيشون في حالة بؤس وفقر ودمار وعوز وحاجة وفاقة وتطحنهم الأيام والساعات , والمنعمون في زمن ذلك النظام يتآمرون عليهم ويتربعون الكراسي التي قدمت إليهم على طبق من ذهب وهي من ثمرات الذين ضحوا بالغالي والنفيس من اجلها وقدموا القرابين من اجل التغيير المنشود وتعرضوا الى المضايقة والتكبيل والتنكيل إبان الحكم العشائري الصدامي الهمجي ..! وان أكثر الذين اجتمعوا في احتفالية ذكرى رحيل شهيد المحراب يتفرجون على هذه المسرحية الحزينة ولا يحركون ساكنا ولا يردعون الباطل والظالم ولا يمدون يد الإنقاذ إلى المظلومين والمنكوبين .. فقد نفذ صبرنا يا سيدنا المعزز يا شهيد المحراب , وقلت حيلتنا يا عزيز العراق .
* مدير مركز الإعلام الحر
majidalkabi@yahoo.co.uk