الإمام محمد الباقر (عليه السلام) هو خامس الأئمة المعصومين لقيادة الأمة الإسلامية الذي قدّر الله لها في ظلال اتباع المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
الملفت للنظر انه قد ولد الإمام الباقر (عليه السلام) من أبوين علويين زكيين فاجتمعت فيه طهارة جدّيه السبطين الحسن والحسين (عليهما السلام) فابوه سيد العابدين ( ع ) وامه الصديقة فاطمة بنت الحسن ( ع ) وعاش الباقر بين يدي جدّه الحسين (عليه السلام) بضع سنوات وونشأ بين يدي أبيه علي بن الحسين (عليه السلام) .
والثابت ان لقب الـ( باقر ) أطلقه جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله) حيث لقّبه بالباقر قائلاً: إنّه يبقر العلم بقراً، عندما بشّر المسلمين بولادته ودوره في إحياء الشريعة وقد اكد النبي حينها انه سليل علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام) .
عاش الإمام محمّد الباقر(عليه السلام) طيلة حياته في المدينة وعانى الإمام الباقر من ظلم الاُمويين منذ ولادته وحتى استشهاده مسموما بالمدينة عام١١٤ للهجرة وله من العمر٥٧ سنة.
ومن الاولاد والبنات له سبعة أولاد وهم: جعفر (الصادق) وعبد الله وإبراهيم وعبيد الله وعلي وزينب وأم سلمة، ولم يعقب منهم إلا الصادق (عليه السلام).
واما أزواجه: فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وهي ام جعفر الصادق ( ع )، وأم حكيم بنت أسد، واثنتان أخريات.
و عاصر الإمام الباقر (عليه السلام) خمسة من ملوك بني أمية وهم: الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، وتوفي في ملكه بعد أن دس إليه السم.
وعن صفته يقول التاريخ : كان الإمام الباقر (عليه السلام) ذو هيبة وجلال، وقد جلس عنده عكرمة فارتعش من هيبته وجلالته، وكان معتدل القامة، أسمرا، بدينا نوعا ما، وكان كثير الذكر، يمشي ويذكر الله تعالى، له خال على خده، جعد الشعر حسن الصوت.
اما نقش خاتمه: (ظني بالله حسن وبالنبي المؤتمن، وبالوصي ذي المنن وبالحسين والحسن) وروي (العزة لله) أو (العزة لله جميعا).
أوصى الإمام السجاد (عليه السلام) بالإمامة إلى ولده الباقر (عليه السلام) عندما حضرته الوفاة، حينما التفت إلى أولاده و بحضور بعض الأصحاب ، ثم قال إلى ولده الباقر وقال: (يا محمد هذا الصندوق اذهب به إلى بيتك)، قال: (أما إنه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكن كان مملوءا علما).
فلما توفي السجاد (عليه السلام) جاء أخوته يدعون ما في الصندوق فقالوا للباقر: أعطنا نصيبنا من الصندوق، فقال: (والله مالكم فيه شيء ولو كان لكم فيه شيء ما دفعه إلي)، وكان في الصندوق سلاح رسول الله وكتبه مع كتب وصحف الانبياء السابقين.
وروي أن الإمام السجاد (عليه السلام) قال لابنه الباقر (عليه السلام): بني إني جعلتك خليفتي من بعدي لا يدعي فيما بيني وبينك أحد إلا قلده الله يوم القيامة طوقا من نار.
ولو راجعنا التاريخ لوجدنا انه قد عرف عهد الإمام الباقر ببداية نشوء الفرق والاتجاهات الفكرية وبكثرة المناظرات ومن اهم اسباب ذلك ان بني أمية فسحوا المجال لاهل البدع والآراء الفاسدة والمذاهب المنحرفة والاتجاهات الضالة فوقف الإمام الباقر بكل قوة أمام هذه التيارات المنحرفة يواجه أفكارهم ومن تلك المواقف نذكر منها مناظرة لطيفة جدا بين الباقر مع عالم نصراني:
جلس يوما الإمام الباقر إلى أحد علماء النصارى فقال للإمام: هل أنت منا أم من الأمة المرحومة.
فقال الإمام: بل من هذه الأمة المرحومة.
فقال: من أيهم أنت من علمائهم أم من جهالها؟
فقال له: لست من جهالها.
فاضطرب اضطرابا شديدا ذلك العالم وقال للإمام: أسألك؟
فقال الإمام: سل.
فقال النصراني: من أين ادعيتم أن أهل الجنة يطعمون ويشربون ولا يحدثون ولا يبولون؟ وما الدليل فيما تدعونه من شاهد؟
فقال الإمام: مثل الجنين في بطن أمه يطعم ولا يحدث.
فاضطرب النصراني ثم قال: هلا زعمت انك لست من علمائها؟
فقال الإمام: ولا من جهالها.
فقال للإمام: أسألك عن مسألة أخرى؟
قال: سل.
قال النصراني: من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبدا غضة طرية موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنة؟ وما الدليل عليه من شاهد لا يجهل؟
فقال الإمام: دليله أن ترابنا أبدا يكون غضا طريا موجودا غير معدوم عند جميع أهل الدنيا لا ينقطع.
فاضطرب النصراني فقال: أخبرني عن ساعة لا من ساعات الليل ولا من ساعات النهار؟
فقال الإمام: هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
فقال النصراني: بقيت مسألة واحدة والله لأسألك عنها ولا تقدر أن تجيب عليها، فقال: أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد وماتا في يوم واحد عمر أحدهما خمسون سنة وعمر الآخر مائة وخمسون سنة في دار الدنيا؟
فقال الإمام: ذلك عزير وعزيرة ولدا في يوم واحد فلما بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرون عاما مر عزير على حماره بأنطاكية وهي خاوية على عروشها (قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها). البقرة:٢٥٩
فأماته الله مائة عام ثم بعثه على حماره، وكان عزيرة عمره مائة وخمسة وعشرون سنة، فعاشا سوية خمسة وعشرين سنة ثم قبضهما الله في يوم واحد.
فهنض النصراني وقال: جئتموني بأعلم مني وأقعدتموني معكم حتى هتكني وفضحني.
وقد جائت معاجز وكرامات كثيرة عن الباقر (عليه السلام) نذكر منها :
قال أبو بصير: قلت يوما للباقر (عليه السلام): أنتم روثة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
قال: نعم.
قلت: ورسول الله (صلى الله عليه وآله) وارث الأنبياء جميعهم؟
قال: وارث جميع علومهم.
قلت: وأنتم ورثتم جميع علوم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
قال: نعم.
قلت: فأنتم تقدرون ان تحيوا الموتى وتبرئوا الأكمه والأبرص وتخبروا الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم؟
قال: نعم نفعل ذلك بإذن الله تعالى.
ثم قال: ادن مني يا أبا بصير.
وكان أبو بصير مكفوفا (أعمى)، قال: فدنوت منه، فمسح بيده على وجهي فأبصرت السماء والجبال والأرض.
فقال: أتحب أن تكون هكذا تبصر وحسابك على الله أو تكون كما كنت ولك الجنة؟
قلت: الجنة.
فمسح بيده على وجهي فعدت كما كنت.
واما عبادة الإمام الباقر (عليه السلام) كانت تمثل ارقى مستويات الكمال فقد كان يأنس بعبادة لله تعالى.
حكى (أفلح) وهو خادم الإمام الباقر، قال: حججت مع أبي جعفر محمد الباقر (عليه السلام) فلما دخل المسجد ونظر البيت بكى، فقلت: بأبي أنت وأمي إن الناس ينظرون إليك فلو خفضت صوتك قليلا؟
قال: ويحك يا أفلح ولم لا أرفع صوتي بالبكاء لعل الله ينظر إلي برحمة منه فأفوز بها غدا.
ثم طاف بالبيت وجاء حتى ركع خلف المقام فلما فرغ إذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه.
فالباقر (عليه السلام) يستحضر القرب الإلهي الرباني والأنس والشوق لله سبحانه .
واستوعب الباقر الناس باخلاقه فقد روي انه كان أحد الرجال يجلس عند الإمام الباقر (عليه السلام) ولكنه يبغض الإمام بغضا كبيرا، وكان يقول للإمام الباقر: يا محمد ألا ترى أني إنما أجيء إلى مجلسك حياءا مني منك ولا أقول أن احدا في الأرض أبغض إلي منكم أهل البيت وأعلم أن طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم، ولكن أراك رجلا فصيحا لك أدب وحسن لفظ، فإنما اختلافي إليك لحسن أدبك.
وكان ابو جعفر يقول له خيرا لن تخفى على الله خافية.
ففي يوم من الأيام مرض هذا الرجل وكان من أهل الشام واشتد وجعه، عندها دعا ابنه وقال له: إذا مت فأت محمد الباقر وسله أن يصلي علي وأعلمه أني أنا الذي أمرتك بذلك.
فلما كان في نصف الليل ظنوا أنه قد مات وسجوه، فلما أن أصبح الناس خرج ابنه إلى المسجد فلما صلى الإمام الباقر وتورك قال له: يا أبا جعفر إن فلان الشامي قد هلك وهو يسألك أن تصلي عليه.
فجاء الإمام إلى داره، وأسند الرجل الشامي وأجلسه وسقاه شرابا، وقال لأهله: املئوا بطنه وبردوا صدره بالطعام البارد.
ثم انصرف الإمام فلم يلبث قليلا حتى عوفي الشامي فأتى أبا جعفر فقال له: أشهد أنك حجة الله على خلقه وبابه الذي يؤتى منه فمن أتى غيرك خاب وخسر وضل ضلالا بعيدا.
فقال له أبو جعفر: مابدا لك؟
قال لما أصابتني الغيبوبة وخرجت روحي عاينت بها وسمعت مناديا ينادي: ردوا عليه روحه فقد سألنا ذلك محمد بن علي (عليه السلام).
ويروى أن نصرانيا لاقى الإمام الباقر في الشارع فقال له: أنت بقر؟
فقال له الإمام: لا، أنا باقر.
فقال النصراني: أنت ابن الطباخة؟
قال: ذاك حرفتها.
قال: أنت ابن السوداء الزنجية؟
قال: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك.
فخجل النصراني من شدة حلم الإمام الباقر، وأخذه الحياء حتى رافقه الإمام وكلمه بأحسن الكلام فأسلم النصراني على يد الإمام.