رُبّما ما يشعر به الشعب العراقي من خوف وقلق طوال الفترة السابقة نابع من عدم تعقل بعض الأطراف السياسيّة التي تتوافق طريقة تفكيرها وتتشابه طريقتها مع خصومها في انتهاج التفرد والحديث بنبرة انتقامية وكأنها تريد الاستئثار بالقرار العراقي ومحاولة اختصاره وتحديده بفكرتها ووضعه بقالب يتلاءم مع مزاجها حتى أنّ أعضاء هذه الكتل وقادتها وعبر تصرفاتهم وتصريحاتهم قد أصموا آذانهم عن كل صوت مخلص، وأوصدوا الباب في وجه كُلّ محاولة وجهد خير لحل المشاكل التي تثار من قبلهم وتبادلهم الاتهامات، ففي البداية كانت بمثابة لعب الصبيان إلى أنّ تحولت إلى معضلة ومشكلة كبيرة حتّى وقف العراق على حافة سحب الثقة عن الحكومة و عن رئيسها وبات التصنيف السياسي أنتَ مع سحب الثقة أو ضد، إلاّ أنّ هنالك مواقف تحسب لأصحابها وتعبر عن رأي الشعب العراقي في هذه الفترة وتحقق مصالحة وستحفظ لهم ولما بذلوه في بقاء العمليّة السياسيّة وضمان سلامة البلد وعدم انزلاقه في هوة الاحتراب والمواجهة والنزول إلى الشارع، وأبرز تلك المواقف نهج المجلس الأعلى بقيادة سماحة السيّد عمّار الحكيم وذلك الموقف المبدئي البعيد عن الانتهازية السياسيّة وابتزاز المناصب والمكاسب وتصيد الفرص رغم كلّ ما قيل عنه وروج وشنع عليه وطبل لآراء وأفكار وأمراض نفس من قام بها وعلى خلاف ما يتوقعه الجميع ويريد البعض، كان المجلس الأعلى وسطياً مبدئياً نبيلاً مع الجميع لم ينتقل من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، لم يكن متلوناً أو مخالفاً لما يقول ويصر كان واضحاً يعمل لأجل المصلحة الوطنية وإعادة اللحمة للجسد العراقي محافظاً أميناً لما ناضلَ، وجاهدَ، وقاتلَ، وضحى، من اجله عراق حر مستقل موحد مستقر متطور تسود العدالة بين أبنائه ويتكافئون في الحقوق والواجبات لا يُميز بينهم إلاّ مقدار حبهم وإخلاصهم لهذا البلد العزيز، من هنا فإن الطريقة التي تعامل بها سماحة السيّد الحكيم ورجالات المجلس الأعلى مع أزمة سحب الثقة لم تجعلهم من المروجين لها، كما لم تجعلهم ممثلين للجهة الثانية أو متحزبين ومتخندقين وسائرين في ركاب المالكي كما شاهدنا البعض، بل أعطى موقفهم قوة للمشروع العراقي ودستور الدّولة ومؤسساتها، فكانوا حلقة الوصل وجسر العبور الذي عبر من خلاله العراق هذه الأزمة ولم يكن موقف الرئيس مام جلال الطالباني بعيد عن هذا الإطار بل جاء متناغماً مع حليف المصير والتاريخ والحاضر والمستقبل، فلم يحسبوا على جهة من الجهات بقدر ما حسبوا على العراق فكانوا الضمان الحقيقية وصمام الأمان، لم يكونا مع كسر المالكي وكذلك لم يدعموا البارزاني، حاوروا الصدر ودافعوا عن بعض الرؤى والأفكار لكنهم لم يتطرفوا ولن يقبلوا بأخذ العراق إلى المجهول.