ليلة البارحة، وكعادتهن، "التمن عليّ مكدرات البال"، كما يصفهن عريان، فاحتجت اليه. هاتفته فبادرني بواحدة من نكاته المميزة. اختار لي منها واحدة تمنيت لو انها لا تخدش الحياء لأقولها لكم. اضحكتني بطريقة ازاحت ثلاثة ارباع الكدر عن النفس. قلت له انت معزوم الليلة عندي اكراما لنكتتك هذه فلبى الدعوة والتقينا.
سألني عن علاقتي بالشعر الشعبي هذه الايام، فاخبرته اني ادمنت العزوف عنه. ليش؟ القصة طويلة يا صاحبي، اقل ما فيها اني وجدته قد ابتعد عن هم الناس ولم يتخلص من الخراب الذي حل بهفي ايام صدام السود. قلل تشاؤمك. دلني انت على ما يقلله.فتح اللابتوب، ليريني مقطعا بالصورة والصوت لشاعر ما كنت سمعت به من قبل. شاعر شاب مليء بالحيوية مسيطر على القائه بوضوح. وقبل ان انتبه لمضمون قصيدته فجعت برؤية يديه المقطوعتين. ما هذا؟ نعم انه قطيع اليدين. أيبتسم ويتحدى وهو بلا يدين؟ كم هو عظيم هذا الشاب. رد علي صاحبي: انه نهاد الخيكاني ابن ولايتي الناصرية يخاطب الامام علي، فاسمعه:
قارنتك علي ويه اليحكمون ولكيتك يا علي مفرط بالاحكام
شني تحكم الدنية وعرشك بساط وشني بجامع مقر القائد العام؟
وشني عود اليتيم يكضلك الباب؟ اليتيم يروح يسكن دار الايتام
جا ما عادها ولا كضلك الباب كون بصدره قنبر ساحب اقسام
معقولة؟ هز صاحبي راسه: اسمع بعد اسمع. سمعته بكل جوارحي الى ان وصل الى:
شعجب ولدك علي ما طلعوا ايفاد ؟ ددزهم عالبحر يكضولهم عام
دبرلهم عذر خلهم يصيفون بحجة مشوا دورة بنشر الاسلام
نهضت من مكاني اجلالا لهذا المظلوم الذي رغم ما حل به، يؤشر على الظلم من دون يد او اصبع. ليتني اقبل يديك المقطوعتين يا نهاد.
استغل صاحبي اعجابي بهذه "التصجيمات" الشعرية، فسألني: ها شلونك هسه؟ بعدك متشائم؟ بل ازددت تشاؤما. هاي ليش؟ نهاد لم يكتب قصيدته هذه لي او لك أو للمظلومين والمحرومين بل للحكومة ورئيسها. صح. وسؤالي: هل سمعه السيد المالكي؟ طبعا سمعه. لا يا صديقي فهو لم يسمعه حتى وان سمعه. أحزورة هذه؟ ان السمع سمعان، فهناك من يسمع باذنه وآخر يسمع بضميره، اما قالوا ان هناك من يرى بقلبه وآخر يرى بعينه؟ زين انت شمدريك ما سمع؟ لو سمعها مثلما سمعناها انا وانت لما ظل في منصبه ساعة واحدة، ليس هو، فقط، بل وكل من في الخضراء. حزن صاحبي المتفائل دوما ورد: والله شكلك؟ لا تقلي بل اسألهم: هل سمعتم ما قاله نهاد الخيكاني للامام علي؟ وتتصور راح يجاوبوني؟ ليش لا؟ انهم لا يجيبون. ولماذا انت متشائم لهذا الحد. انت عديتني. آني؟!