انا احترم وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو لانه كاتب رائع ومفكر وليس من هو من ساسة العسكر ، لذا فزيارته الى كركوك بهذه الطريقة وفي هذا الوقت تعد سلوكا مثيرا للاسئلة ، فهل الرجل منساق الى هذا الحد مع الرؤية الاوردكانية ؟ ام انه وقع في ورطة غير محسوبة ؟ ... اوغلو في كتاباته يدعو الى مزيد من الاصلاحات والتهدئة وتجديد انظمة الحكم وتطوير العلاقات الاقليمية ، الا ان زيارته الى كركوك تعد خطوة الى الوراء ، فقد وصل اوغلو الى اربيل واستقبل هناك وكأن اقليم كردستان دولة مستقلة ثم انتقل الى كركوك بحماية افراد البيشمركه واستقبل هناك بهتافات باللغة التركية ، كل ذلك جرى بدون علم حكومة المركز في بغداد ، الزيارة تعد تصعيدا خطيرا في الأزمة بين بغداد وانقرة للاسباب الآتية :
١- حساسية الدور التركي المثير للجدل في العراق والمنطقة ، واعلان انقرة الوصاية دائما على تركمان العراق في اطار عنصرية طورانية ، ثم دخولها في ازمة اتهام ومحاكمة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي وتمثيل دور الوصي على سنة العراق ! ودعمها اقليم كردستان في ازماته مع المركز ، ثم دخول انقرة عضوا في النادي القطري الذي يريد اسقاط النظام في سورية بما يفسر انه خدمة لاسرائيل ومخططاتها .
٢- استمرار الخلافات بين المركز والاقليم سواء كانت حول تصدير وتهريب النفط والاستثمارات او حول المناطق المتنازع عليها او الأزمة الاخيرة الناتجة من منع البيشمركة قوات الحكومة من الانتشار على الحدود السورية ، فتأتي زيارة اوغلو وكأنها دعم تركي لمواقف الاقليم .
٣- حساسية الوضع في كركوك التي تعيش تحت رحمة الصراع الداخلي بين الاحزاب القومية الطامحة للسلطة فهي مقسمة سياسيا بين نشطاء الكرد والعرب والتركمان بينما سكان المدينة يريدون الأمن والعيش بسلام ، والدستور العراقي وضع حلا لمشكلة كركوك ولكن لا احد يريد تطبيقه ، فالكرد يريدون ضمها الى الاقليم الذي سينفصل مستقبلا لتكون القدس النفطي لكردستان ، وتركيا تريدها منطقة اختراق دائمية باعلان الوصاية على التركمان كمسمار جحا . زيارة اوردكان تأتي في هذه اللحظة الحساسة .
٤- الزيارة تخالف البروتوكول والقوانين الدولية والدستور العراقي ، وزير خارجية دولة يزور مدينة من دولة أخرى بدون تنسيق مع حكومة تلك الدولة ! تصرف غريب وخطير من الناحية السياسية والامنية ، تركيا لا تقبل ان يدخل اراضيها وزير خارجية اي دولة ثانية ليزور احد مدنها بصفته الرسمية بدون تنسيق مع الحكومة . تركيا ليس لديها جرأة ان تتصرف هكذا مع اسرائيل ، الزيارة تشكل تحديا استفزازيا الرد عليه يخلق مشكلة والسكوت عنه يخلق مشكلة اكبر ، وهذا يعني ان انقرة تقود عملية تأزيم مع العراق ، هي أزمة سواء رد عليها العراق ام لم يرد .
يجب على الحكومة التصرف بحكمة ، والعودة الى بحث الاسباب التي جعلت انقرة تستخف بسيادة العراق الى هذا المستوى ، ولعل اهم سبب هو علمها بافتقاد العراق للجبهة الداخلية المتماسكة ، ووجود قوى سياسية عراقية منحازة بشكل او بآخر لتركيا بمبررات عرقية او مذهبية . من مجموع تصرفات الاتراك يشعر المراقب ان تركيا تهتم كثيرا بكركوك ونفط كركوك وتركمان كركوك وهذا سلوك ذو مغزى خطير خاصة وان انقرة تعتقد ان العراق بلد سائر نحو التقسيم وما هي الا قضية وقت ، والزيارة تعبر عن عدم اعتراف عملي بحكومة العراق ووحدته الوطنية ، في الوقت الحاضر يمكن للحكومة القيام ببعض الاجراءات الرادعة للسلوك التركي اولها استدعاء السفير وطلب تفسير واعتذار وتعهد بعدم تكرار هذه التصرفات واذا لم تستجب انقرة ، فيجب طرد السفير وقطع العلاقات ، واذا استمرت الحكومة التركية في تحديها فيمكن وقف الواردات التركية الى العراق وايقاف التجارة بين البلدين والتي تحقق لتركيا ما يقارب ٣٠ مليار دولار سنويا وهو مبلغ كبير جدا لدولة كتركيا غير نفطية وتعتمد السياحة والتجارة في اقتصادها ويعد وسيلة ضغط ممتازة ، خاصة وان العراق يمتلك مصادر بديلة وتركيا لا تمتلك بديلا ، وهذه في اعراف الدول خطوات منطقية وبديهية ، وفي العلاقات الدولية القوي يأكل الضعيف كالغابة ولا توجد اي اطر اخلاقية او عواطف ، توجد فقط المنافع المشتركة لا يوجد احترام بل الخوف والردع ، مع الاسف العراق لا يستطيع ردع الاعداء لان جبهته الداخلية ممزقة من اجل ان نكون دولة ذات سيادة فعلينا اولا توحيد جبهتنا الداخلية وهي رحلة الالف ميل التي لم تبدأ بعد .