مرّ نصف قرن، تغيرت فيه السياسية.. لكن الاوضاع العامة لم تتغير. صارت لابناء الجنوب الكلمة القوية في حكم البلاد وأمنها وموازناتها وخططها.. رغم ذلك بقي العراق متخاصماً فقيراً مدمراً، رغم إمكانياته، فيستصرخه السياب اليوم كما استصرخه قبل عقود.. ويح العراق! أكان عدلا فيه انك تدفعين سهاد مقلتك الضريرة.. ثمناً لملء يديك زيتاً من منابعه الغزيرة؟ كي يثمر المصباح بالنور الذي لا تبصرين؟..
كنا نرى الحلم والحل بالنظام الديمقراطي اللامركزي الاتحادي، والحقوق المتساوية المتبادلة، والدولة العادلة، والمجتمع المسالم المملوء نشاطاً. فحاربنا الاستبداد والطائفية والعنصرية وعوامل التبعية والتخلف. وقدمنا اغلى التضحيات.
كان المطلوب ممن يمسك بدفة الامور ان يبادر.. وعندما تأخر مرة ومرتين وثلاث، تراكمت الكوارث والانقسامات والحروب. فخرجنا منها جميعاً خاسرين، بما في ذلك الحكام انفسهم.
ما زلنا نضحي ونعاني، ومشاكلنا تزداد تعقيداً وخطورة، وامامنا طريقان.. التعامل مع ابناء الوطن الذين يختلفون معنا في اللسان والمذهب والرأي كما تعامل معنا البعض يوماً كخصوم، بل احياناً كاعداء.. او التعامل كأخوة وشركاء. الطريق الاول لن يقهر احداً، ولن يجعلنا الرابحين.. والثاني صعب مملوء بالالغام، لكنه يفتح افاق النجاح للبلاد ولنا.
فأجواء الخوف والخصومة وعدم الثقة يجب كسرها. واولى شروطها المبادرة ولعب دور القدوة.. وان نبرهن تطبيقنا المبادىء الدستورية على انفسنا قبل غيرنا.. ونتصدى للدفاع عن حقوق ومصالح الاخرين بذات الحماس لحقوقنا ومصالحنا.. ولا نجعل خط الشروع بان نقول لشريكنا الاول، اخضع وعد الى اوضاع ما قبل التغيير.. ونبدأ مع الثاني باجواء الاتهام والادانة والمؤامرة.
فالآخرون قلقون وخائفون، بل اوساطنا خائفة ومحبطة. واخطاؤنا واخطاؤهم تشجع الجميع على الضغط والعناد. وهذه اجواء تغلق المسارات، لنخرج نحن والبلاد اول الخاسرين. فان بادرنا بزرع الثقة –وهذه مسؤولية الكتلة الاكبر والماسك برقبة الحكم- فاحتمالات النجاح متوفرة، وسنكون والبلاد اول الرابحين.