"بالدوش" لمجابهة وطأة الحر برشّة ماء ولأهرب من الذباب الذي لا يرحم. وما أن صحت "افيش" مع اول رشّة حتى انقطع الماء هو الآخر. انقطع فهاجمتني "ذبانتان". حتى "الذبان" ما عاد يختشي من رؤية العريان. واحدة لدغتني بكتفي، والأخرى ظلت تحوم حول رأسي وطنينها يخترق اذني. لم يكن طنينا عاديا بل أحسستها تغني ساخرة شامتة: "اجيبك للدرب كتلك اجيبك". شسوي بالله؟ بكيت على حالي وحال العراقيين الذين لا يعلم الا الله قصصهم المحزنة مع ايام وليالي قطع الكهرباء. هذا طبعا باستثناء قاسم سلطان الذي كانت احلى لياليه مع "أم شامة،" ليلة "لا كهرباء ولا ضوه".
عجزي عن فعل اي شيء ينفع في استجلاب الكهرباء لم يبق لي غير ان الوذ بالحيل الدفاعية، التي ثبرنا بها جدنا في الإنسانية فرويد، لأصبر نفسي او ألهيها سعيا مني لكسر حالة الضجر التي لفتني من كل حدب وصوب حتى ضيقت على أنفاسي. وأخيرا اهتديت إلى حيلة تنشيط مخيلتي علها تستحضر لي ما يخفف حالة التوتر التي أنا فيها. وفجأة قفز وجه نائب من "دولة المقربين" كنت قد رأيت صورة له منشورة في احد المواقع الالكترونية، قبل أيام، بجنب فنانة مصرية. وبعد أن قمت له بالواجب على الطريقة العراقية، دمدمت: شكلك وانته "هالفايخ" وأنا من الحركة زهدية.
حاولت أن أحوّل موجة المخيلة صوب محطة أخرى تخلصا من ثقل رؤية وجه المستشار، لكنها أبت ان تفارق "أهلها". دعوت الله أن يعيد الكهرباء ولو لدقيقتين فقط كي أعيد النظر لتلك الصورة على النت دون أن أجهد مخيلتي، فلم يستجب سبحانه وتعالى لدعائي. لاحت لي عبارة "الحسناء والوحش" التي علقت بها إحدى العراقيات تحت الصورة ". وتذكرت، أيضا، انه نسب للفنانة المصرية قولها ان "الساسة العراقيين قمة في الانحطاط الأخلاقي". كل هذا قد اعرف له سببا او آخر. لكن لماذا استحضرت المطرب عبادي العماري في تلك اللحظة؟ حقا لا أدري. لم استحضر عبادي بالصورة، فقط، بل وبالصوت أيضا وهو يغني:
لا تربط الجرباء حول صحيحة خوفي على تلك الصحيحة تجرب
ربما تذكرتها لأن المرحوم عبادي كان يلفظها "حول صحيحةٌ" وليس "حول صحيحةٍ".
المهم اني قلدته في غنائها لغة واداء، لكني غفوت. يبدو انها غفوة "امهموم" كما يقول البدوي. حلمت في غفوتي اني عند محطة قطار لنقل المسافرين. وهناك وجدت الفنانة سليمة خضير واختها أمل بين الغرباء. سلمت عليهما فغنت لي أمل خضير بيتا من الابوذية بطور المحمداوي. قلت لها لأول مرة اسمع هذا الطور من مطربة عراقية. قالت لي نعم ومن شدة الضيم. ثم بكت وبكت سليمة فشاركتهما البكاء حتى "ثغبت" وكدت ان اختنق. صحوت على صوت صاحبي ابو يوسف يوقظني من النوم ويقول لي: "ما ردت اكعدك بس سمعتك تون فما تحملت اخليك بالكابوس". بارك الله بك يا صاحبي لكن قلي: متى أتت الكهرباء؟ قبل ربع ساعة تقريبا. نهضت، فشعرت بألم شديد بكتفي. مددت يدي فإذا بلدغة "الذبانة" قد ورمت. خرجت صوب الصيدلية بحثا عن دواء، ويا ليتني ما خرجت. للحدث بقية.