والامر الذي يهمنا الحديث عنه هنا يرتبط بإدارة ملفات الشرق الاوسط الكبرى ومحاولة الكشف عن مستقبل التحولات التي تموج بها المنطقة وتتشكل تبعا لها محاور القوى ومناطق النفوذ وخطوط الصراعات قد يتذكر الكثير منا القيم والمفاهيم التي كانت سائدة قبل عشرين سنة فيما يتصل بالأولويات الاستراتيجية للشعوب العربية ومركزية القضية الفلسطينية ووضوح الجبهة المعادية للعرب والمسلمين متمثلة بالتحالف الامريكي الصهيوني . واذا رجعنا للمنجز الثقافي والسياسي للحركات النضالية خارج النظم الحاكمة آنذاك وحتى ضمن الخطاب الرسمي العربي نجد ان بوصلة الاهتمام الفكري والسياسي موجهة نحو فلسطين وحقها المغتصب وان المشاعر الوطنية والقومية والاسلامية قائمة ومجيشة بصورة لا لبس فيها نحو العدو الغاصب والحديث العام لشعوب المنطقة في طبقاته المختلفة موزع على هذا الهم وتفرعاته وكما هو معلوم قد عصفت بالمنطقة خلال العشرين سنة الماضية هزات سياسية هائلة اوجدت ظواهر واتجاهات جيوسياسية جديدة لعل من ابرزها على الاطلاق صعود التيار السلفي الجهادي واستفحاله بشكل يثير الغرابة والتساؤل هذا الانبعاث المضطرد للقوى السلفية المتطرفة صنع انتقالا كبيرا في محاور وخطوط الصراع والمواجهة في عموم العالم الاسلامي فكان ان تراجع مستوى الصراع العربي الاسرائيلي وانحسرت رقعته ونشأ بديلا عنه صراع في داخل الدائرة الاسلامية مرة يروق للبعض تسميته صراع سني شيعي او سلفي شيعي وانا اسميه واعتقد اني محق تماما صراع اسلامي سلفي ومع هذا التحول تنامت ثقافة لم تكن مألوفة من قبل او لنقل لم تكن بهذا الانتشار والحضور وهي ثقافة التكفير الاباحية التي تستبيح الحرمات والذمم المصونة بقوانين السماء والارض وتستمرئ الدم والعرض والمال المسلم دون ان ترقب فيه الاً او ذمة وبجوار هذا الولع والتلذذ بدماء المسلمين واموالهم نلاحظ بعدا اخر يميز هذه الثقافة العجيبة وهو عدائها للتفكير والتأمل والنظر فهي ثقافة طاردة للعقل تتغذى بشكل اساسي على الهياج العاطفي والغوغائية العمياء والرؤية السطحية السقيمة للدين والحياة والانسان ولا يهمنا هنا تتبع الجوانب المتعددة للثقافة السلفية بقدر ما يهمنا الحديث عن التوظيف السياسي لها واستخدامها كأداة فاعلة في حماية المشروع الاسرائيلي وضمان توسعه وامتداده. ومما يثير الشكوك ويضع علامات استعلام كبيرة حول تفاقم هذه الظاهرة على الرغم من امتهانها للعقل واستخفافها بالكرامة الانسانية هو ان الدول الرجعية الخليجية التي تحوم حول ولائها لمشروع النهضة العربي والاسلامي اتهامات جدية هي من وقف بقوة خلف التيارات السلفية وامدها بالمال والخبرات الاعلامية والسياسية ولعب دور العراب بينها وبين الدوائر الغربية المتصهينة. وهنا نشير الى دور الماكنة الإعلانية العملاقة لدول مثل قطر والسعودية في ترويج الفعل الشاذ لهذه الجماعات وتبييض صورتها لدى الجمهور العربي العريض الذي يئن تحت مطرقة التجهيل الرسمي لحكوماته العميلة وسندان الاكاذيب والفنون التضليلية المبتكرة لقنوات مثل الجزيرة والعربية التي نجحت مع الاسف في تحويل السلفية من ظاهرة اعلامية لا ظل لها على الارض الى تيار واسع تمكن من احتواء العاطلين عن العمل والتفكير في هذه الامة المترامية الاطراف ومما زاد من حدة الشكوك حول ارتباط المشروع السلفي بالمشروع الصهيوني هو الدور الامريكي واليهودي في تنشئة هذه الفصائل السلفية ورعايتها منذ ايام افغانستان وتحويلها الى ما يشبه البعبع والفزاعة من خلال تضخيمها اعلاميا وصناعة صورة غير واقعية ومزيفة عن خطرها وامكانياتها والمبالغة في وصف شراستها وسطوتها وتخويف الغربيين منها ومن ثم حاولوا نصب هذه الصورة الكاذبة المختلقة كممثل عن الاسلام ومرآة عاكسة لطبيعته وبذكاء لامع حرصوا على الابقاء عمدا على منطقة الظل الرمادية بين الاسلام والسلفية الجهادية. وهذا الترابط العضوي بين السلفية كخط وبين المشروع الصهيوامريكي من حيث الولادة والتطور والنشاط كله معروف وجلي لمن يملك عقله ولا تزال ذمته مصونة لم تشترى بأموال البترول البدوي. وقد تعاضدت الشواهد على هذا العمل المشترك وحسبي ان اشير الى موردين اثنين فقط من الشواهد الكثيرة التي نعيشها يوميا ففي العراق وبعد التغيير الكبير الذي طرأ على الحياة السياسية والثقافية فيه بعد ٢٠٠٣ كان الامل معقودا في ان ينهض هذا العملاق الحضاري الذي حبسه صدام وبمباركة غربية في قارورة خانقة عطلت نشاطه العلمي واسهامه الانساني الثمين لمدة اربعين عاما اقول كان الرجاء كبيرا ان تحدث نهضة حضارية عظمى في هذا البلد ولكن الخطة الصهيونية كانت كبيرة ايضا وبحجم هذا الرجاء وهنا لا اتحدث عن مؤامرة بل اقول ان هذا الدور الإسرائيلي في العراق هو دور علني يذكره المسؤولون الاسرائيليون دون مواربة ومنهم وزير الأمن الإسرائيلي الأسبق (آفي ديختر) قبل بضعة سنين حول هدف اسرائيل الاستراتيجي في العراق قولة بالحرف ما زال هدفنا الاستراتيجي هو عدم السماح لهذا البلد أن يعود الى ممارسة دور عربي وإقليمي وابقائه مجزءاً. وهنا يأتي السؤال الاهم ما هي الاداة التي اعتمدتها اسرائيل في تحقيق هذا الهدف والجواب هو دعم ورفد الارهاب السلفي في العراق في مستوى التمويل المادي والعون العسكري وتغطية الفظائع التي اقترفها بحق الابرياء من خلال التضليل الاعلامي والتسويق السياسي لرموزه في داخل وخارج العراق. والامر لا يحتاج لتوضيح ان ذلك تم مباشرة او بتوسط الحكام والملوك العرب وغير العرب ممن يتقربون لإسرائيل في انفاذ مشروعها الاستراتيجي لتنعم عليهم بالرضى والقبول ولعل تصريحات وزير الاعلام الاردني الاخيرة (صلاح القلاب) احدث شاهد على ما نقول فهو يقر وبارتياح كبير انه كان يدأب على ارسال الانتحارين لينشروا الموت بين الباعة والكسبة والاطفال والنساء من العراقيين. ولو سألناه لماذا ترسل الموت للعراق وهو يبعث لك بالحياة والكرامة مع بالنفط المتدفق دون حساب؟؟ ترى اي ذريعة يمكن ان يسوقها هذا الانسان ليبرر فعله الدنيء هذا....؟ ماذا يقول ليشتري حياءه من جديد... او كيف وماذا يقول ليعتذر للثكالى والارامل والايتام؟ ولات حين اعتذار ...انظروا كيف يفقد الانسان نبله وشرفه ويبيع ذمته للشيطان ويهوي ساقطا في وادِ قراره بعيد تتكاثف فيه الظلمات وتزدحم فيه الاهوال وتتعدد فيه مفاوز العذاب وما ذلك من الظالمين ببعيد .....؟ وخطابي هنا للإنسان السوي فقط والا فلا ترتجى صحوة من تلذذ بمشاهد الاشلاء الموزعة للأبرياء واستمتع برائحة الدم والبارود المنبعثة من الاجساد المتفحمة للأطفال والنساء واعود لأقول هكذا كانت الخطة الإسرائيلية في تحطيم العراق وانهاء دوره بأيدي الارهاب السلفي وغطاء الجوار العربي. والامر لا يختلف في الساحة الفلسطينية عنه في العراق حيث الارث الثقافي العربي لا زال نديا ومنقوعا بالدم البريء ولم يتم بعد تجفيف الذاكرة العربية من تقرحات الصراع العربي الاسرائيلي ولا زال وجدان الامة حيا تتحرك فيه صور الظلم الاسرائيلي للأبرياء الفلسطينيين واللبنانيين وفي ظل موروث حي احدث التقارب والتعاون والتنسيق بين فصائل المقاومة في حزب الله وحماس والجهاد جروحا نازفة في الكيان الاسرائيلي . ماذا تفعل اسرائيل لكي تفرق الاخوة وتسقط الطوق المقاوم ؟ لا شك انها ستلجأ الى خلق الفتنة والايقاع بين الاخوة ومرة اخرى ليس هناك من يقوم بهذا الدور القذر سوى التيار السلفي الذي عمد الى دق اسفين عميق في هذا الحزام المقاوم من خلال رفع شعار خبيث وهو الشيعة اخطر من اليهود بهدف احداث نفرة وانقسام بين المناضلين والمجاهدين وحرف الاهتمام عن الاجرام الاسرائيلي ونقل محور الصراع الى داخل الدائرة الاسلامية ومن ثم تامين اسرائيل وابعادها عن اي مواجهة او تهديد وهو بذلك يصوب المشاعر العدائية المتراكمة لدى عدد مهيب من المسلمين ضد اسرائيل باتجاه فريق اخر من المسلمين وهذا يفسر موقفه من حزب الله ومن حركات الجهاد الاسلامي وحتى من الاخوان المسلمين كونهم يعتبرون اسرائيل عدوهم الاول ان جهاز الارهاب السلفي يعد اخطر انواع الاسلحة الاسرائيلية التي ابدعتها العقلية الاسرائيلية واشدها فتكا وهو منتج متطور لم يستنفذ اغراضه بعد وسيفاجئ المجتمع الانساني والعربي خصوصا بخبث هذا النوع من الاسلحة. ان خطورة هذا التيار تكمن اساسا في امكانية تجييره بيسر وسهولة واقحامه في ساحات جديدة لا تقوى الجيوش على ولوجها وقدرته على انجاز مهام عالية المردود وهو مرتبط بدوائر المخابرات الاسرائيلية وفروعها المنتشرة في العواصم الخليجية والمغرب العربي وتركيا. والدور الابرز للسلفية الجهادية قادم بقوة وله حيز محسوب في نظام التفاعل بين المحددات الجغرافية والسياسية في المنطقة الان .