ان مبادرة إنشاء صندوق تنمية ورعاية الطفولة في العراق يجب ان لا ينظر لها على انها مجرد مبادرة لتطييب الخواطر انما هي ركيزة مهمة واساسية في مشروع بناء الدولة العصرية العادلة التي نسعى لتحقيقه وهي جزء من التخطيط الاستراتيجي لبناء هذا المجتمع والبدء من الأساس لهذه البنية الاجتماعية المتمثلة بالطفولة فالمجتمعات تبدأ من الطفل وتبنى عليها كل البناءات الأخرى فإذا كنا لا ندرك التخطيط الاستراتيجي لبناء المجتمع فكيف لنا ان ندرك التخطيط الاستراتيجي لبناء الدولة، ان هذه الشريحة ( شريحة الطفولة ) تمثل ٤٠ % من مجتمعنا العراقي لأن المعايير المعتمدة لدى المنظمات الدولية تعتبر كل المواطنين دون ال ١٨ سنة هم ينتمون الى شريحة الاطفال اذن نحن نتحدث عن شريحة تمتد لتشمل نصف المجتمع تقريبا ، واذا لاحظنا العشرين السنة القادمة ستمثل كل المجتمع هذه الشريحة ستكون هي شريحة الكبار ويأتي نصف آخر ليملأ شريحة الصغار فتكون هي المجتمع في غالبيته ، فما هي خطتنا لهذا المجتمع وما هي برامجنا التي يجب ان نضعها اليوم لبناء هذا المجتمع وكيف نرعى وننمي هذه الشريحة التي ستكون هي المجتمع العراقي على مدار عشرين سنة القادمة ، انها اسئلة محورية واساسية ولابد ان نجيب عليها ونتعرف افاقنا المستقبلية في بناء هذا الوطن واي مسؤولية اعظم واهم من ان نفكر ونخطط ونضع رأسمالنا في بناء مجتمعنا في مراحله القادمة واذا نجحنا في بناء المجتمع فسنستطيع ان ننجح في كل البناءات الاخرى ، اقتصاديا وسياسيا وامنيا وتعليميا وغير ذلك لأن كل هذه المحاور تعتمد على طبيعة المجتمع الذي نتعامل معه فاذا كان مجتمعا مستقيما بعيدا عن الامراض الاجتماعية والنفسية سيكون قادرا على ان ينهض بواقعه وان نبني هذا الوطن بأفضل ما يكون ان علينا ان نكون صريحين وصادقين مع انفسنا ونعترف بأننا اليوم كمجتمع يعاني الكثير من الازمات والامراض الاجتماعية وذلك لأن الجيل الذي يمثل المجتمع اليوم نشأ في العقود السابقة في ظروف استثنائية وغير سليمة فكان النتيجة ان نتعامل مع الواقع الذي نعيشة اليوم واليوم اذا لا نفكر بتنشئة الطفولة تنشئة صحيحة ستستمر هذه المعانات للجيل القادم ايضا علينا ان نستبق الحدث وان نفكر في افاق المستقبل وان نضع الحلول والمعالجات الصحيحة سيقول البعض ان سياسية الاستقطاع من الموازنة في كل مبادرة او مشروع هي سياسية غير واقعية ،وفي كل مشروع توضع نسب مئوية من الموازنة فهذا ليس امرا واقعيا وعمليا، ولكننا نرد على هذا القول بأن هذه السياسة هي السياسة الواقعية الوحيدة التي تتبعها الدول المتطورة في تعاملها مع موازناتها ، فالدول تحدد مستواها التعليمي من خلال معرفة النسبة التي تستقطعها من الموازنة للبحث العلمي اقول للبحث العلمي وليس لرواتب المعلمين ، فالدول لا تحسب رواتب المعلمين ضمن رأسمالها في التنمية التعليمية في البلاد ، واليوم حينما نسأل كم وضعنا لقطاع التعليم يتم احتساب اجور الموظفين وهذه مغالطة نقع فيها في العراق ، والدول حينما تحدد قوتها الامنية تنظر الى النسبة التي تحددها في الموازنة للتسليح ولتطوير وتحديث وتجديد منظوماتها الدفاعية واقول التسليح والمنظومة الدفاعية وليس رواتب الجنود وهذا ما يجب ان يفكك حتى نعرف ما هي الانفاقات التي تسهم في البنية التحتية لأي قطاع من القطاعات ، وهناك دول تنشئ رصيدا استراتيجيا ماليا للأجيال القادمة وتقتطع نسبة من ميزانياتها لتضيفها الى صندوق خاص لدعم الاجيال القادمة ، اذن سياسة تحديد النسب المعينة والمحددة في الموازنة العامة للمشاريع الاستراتيجية هي من اساسيات انشاء الدول العصرية والحديثة واليوم نحن نطالب بتخصيص واحد ونصف في المائة فقط من الموازنة العامة لينفق على الطفولة وهي نصف المجتمع اليوم وهي كل المجتمع في العشرين سنة القادمة ، هل هذا رقم كبير ؟ وهل يمكن ان تخضع لمثل هذه القضية للمزايدة والمناورة ؟ ان هذه المبادرة ليست مبادرة سياسية تختص بطائفة او منطقة محددة من البلاد ، انها مبادرة لكل اطفال العراق من شوارع الفاو الى شوارع زاخو مرورا بشوارع الفلوجة ولتكون الصورة اكثر وضوحا للبعض ممن يشكك في مثل هذه النسبة اسمحوا لي ان اقدم لكم بعض الارقام والنسب التي وضعتها الدول الاخرى لصندوق الطفولة ، حتى تجدوا اننا اخذنا الحد الادنى ولم نضرب بالعالي ونأخذ النسب العالية وغير الواقعية في هذا الموضوع وسنعرف جيدا ان الدول التي تعافت وتقدمت وتطورت وضعت ميزانيات وانفاقات كبيرة على قطاع الطفولة فأستطاعت ان توجد انسانا متصالحا مع نفسه مستكملا لمقومات انسانيته فاستطاعت ان تحقق ذلك التطور الكبير ، ففي اليابان مثلا هذا البلد المتطور جدا تصل النسبة المستطقعة للطفولة الى ٤ % وحينما نقول يابان يعني انه يمتلك ميزانية كبيرة وفي تلك الميزانية الهائلة يخصص ٤ % للطفولة في اليابان وفي المانيا تصل النسبة الى ٣.٢ وفي ماليزيا في سنوات الانطلاق لبناء ماليزيا الحديثة بلغت النسبة ٥ % هكذا انفقوا واهتموا بتنشئة الجيل الواعد وجيل المستقبل والطفولة فحققوا هذه النتائج الكبيرة في اعمار بلدانهم .