لم أأتِ بشيءٍ جديد إذا ما قلتُ : إنَّ المشكلة التي يعاني منها النظام العربي الرسمي ،هي أنَّ الحاكم يوحي للمحكوم بـ (الأبويّة) للشعب ،وهي بالطبع أبوية تضخها الماكنة الإعلامية السلطوية ،فهي لم تمتلك مقومات الأبوية الحقيقية اللازمة لكل مجتمع .
ونجد من المفيد استعراض مظاهر هذه (الأبوية) السياسية ،وهي كثيرة ، أذكر منها :
● الادعاء بتخلـّف الرؤية الجماهيرية عن الوصول إلى (الصواب السياسي) اللازم من دون الركون إلى الطبقة الحكمة التي تمتلك وحدها (الرُّشد السياسي). مستغلة حالة إخفاء الحقائق عن الجمهور بشكل متعمّد وما يتخلف منها من تجهيل أبناء الشعب فيما يتعلق بحاضره وبمستقبله .
● إشاعة قيام الاحتمال بتدخل قوى خارجية ديدنها تخريب النظام السياسي القائم من أجل الاستحواذ على ثروات الأمة ،التي لم تحصل منها شيءٌ يُذكر .
●استخدام النظام العربي الرسمي اصطلاح(الشعب) إرادة الطبقة الحاكمة فقط ،فباسم الشعب يقتلون المناوئين للطبقة الحاكمة ،وباسم الشعب تهدر الثروات ،وباسم الشعب تباع المقدسات ،والشعب لا يعلم شيئاً عن ذلك .
●اعتياد الحكام العرب على إطلاق ألفاظ لتكون مسميات توحي بهذه الأبوية لهم على شعوبهم كـ (العاهل)و(الفاتح) و(القائد) و(المنقذ) و(المحرر) و(المليك) و(الجلالة) .
● إلقاء العداوة والشحناء بين الأجهزة التنفيذية وبين المستفيدين منها من أبناء البلد بغية التنكيل بهم ،وإفقارهم وإشغالهم عن التفكير بالتغيير في حال شعور الطبقة الحاكمة بعم الرضا عن الأكثرية باعتباره شعوراً أبوياً لابد منه ،ولا ضرر فيه .
● الثراء الفاحش غير المعلن لأفراد الطبقة الحاكمة باعتبارها طبقة تستأثر بمقدرات الشعب ،وعلى الشعب أن يبارك هذا الثراء في حال معرفته بوجوده ،باعتباره قدراً يجب التسليم إليه ،والإذعان إلى شروطه.
●ظهور ظاهرة العوائل المالكة ،والعوائل الحاكمة ،باعتبارها حقائق كونية لا ينبغي الانكماش منها .وقد تضيق ذه الظاهرة لتقتصر على البيت المالك أو الحاكم ،كما في دول كثيرة كالكويت والسعودية وقطر وعمان والإمارات والمغرب والأردن والبحرين وغيرها .وتتفاوت شدة تأثير هذه الحالة بين دولة وأخرى .وهو تطبيقا لنظرية أبوية الحاكم .
● قيام الطبقات الحاكمة ببعض المناورات السياسية غير المكشوفة من قبيل أنّ الحاكم وأجهزته القمعية تكون دوماً بالمرصاد لأعداء الشعب (أي أعداء الحاكم) الذين يحاولون التصيّد بالمياه العكرة ـ على حد تعبير الماكنة الإعلامية السلطوية ـ من خلال التسلل داخل صفوف المواطنين الآمنين المغفلين ،وهذا يعني عزم الطبقة الحاكمة على القيام بسلسلة متعددة الحلقات غايتها إحكام القبضة على قيادات الرأي التي تحمل فكراً معارضاً.
وهذه المظاهر تمثل الأرضية المناسبة واللازمة لتبلور فلسفة الحاكم وبمعزل عن الشعارات التي تبثها مختلف الأدوات الإعلامية ،وهو ما نراه من خلال النقاط التالية :ـ
●انتشار السجون والمعتقلات مهيئة لأصحاب الرأي من أبناء الشعب .
●عدم احترام إرادة الشعب الذي يتحدثون عنه .
● عسكرة أجهزة الدولة والمجتمع بغية عدم إنهيار النظام القائم .
●الاعتياد على إعلان الأحكام العرفية .
●رعاية رأس النظام لمجموعة من عصابات الخطف والسلب وقطع الطرق ،وظهرهم بين الحين والآخر . مثال ذلك : شخصية ( أبو طبر) في العراق .
●افتعال الأزمات ،كالأزمات الاقتصادية التي غايتها إحداث بلبلة طويلة ،أو متوسطة المدى وبحسب الحاجة ،والهدف من وراء ذلك أمور ، أذكر منها :
ـ إقحام الشعب في أتون معركة مع عدو مصنوع اسمه (الشـُّحة) للسلع الضرورية وصولاً إلى تركيعهم وإذلالهم .
ـ إبعاد الشعب عن التفكير بمخلـّص وبمنقذ غير الحاكم القادر على فك الأزمة .
ـ إيجاد عدو وهمي للناس ،والحاكم هو القائد لهم في هذه المعركة التي تنتهي بانتصاره على الدوام .
ـ خلق ورعاية طبقة مستفيدة اقتصادياً من أصحاب مشاريع جديدة وظيفتها العض على النواجذ منعاً لانهيار النظام ،فهذه الطبقة هي صاحبة المصلحة من استمرار الأزمات .
● ظهور نشاط متزايد للسفارات بملاحقتها للمعارضين وتصفيتهم جسدياً ، أو إسقاطهم .