العصر الحديث(عصر النهضة)
كان الجهل مخيّماً على الأدب العربي بما فيه الشعر والنثر قُبل النهضة وقد ظهرت عوامل النهضة في زمن محمّد علي باشا سنة ١٨٤٩م، ومن بوادر هذه النهضة إرسال البعثات إلى مختلف البلاد الأوربيّة للتطلع في العلوم والفنون وتأسيس مدارس وجامعات وتوالي الترجمة في العلوم والفنون إضافة إلى التأليف كما نشطت الطباعة وتأسّست الجمعيات العلميّة والأدبية والمكتبات في كلّ من لبنان وسوريا ومصر والعراق وبعض البلاد العربية الاُخرى ونشطت حركة الاستشراق ومن أشهر المستشرقين: (بروكلمن, دي سلان,غويه لويس, مرغيلوث) ونلاحظ أنّه قويت أغراض النثر الأدبي والاجتماعي والسياسي وكذلك الخطابة كما وأنّ القصّة تطوّرت وترجمت بعض القصص غير العربية إضافةً إلى تنوع مقومات الانتاج الأدبي كالنقد وتأليف الروايات ومن أشهر الاُدباء الذين برزوا هم:
(إبراهيم الأحدب, إبراهيم طوقان, أبو القاسم الشابي, أحمد حسن الزيّات, أحمد شوقي, أحمد الصافي النجفي, أحمد الوائلي, ايليا أبو ماضي, بدر شاكر السيّاب, بنت الشاطئ, بولس سلامة, توفيق الحكيم ,جبران خليل جبران, جورج جرداق, حافظ إبراهيم, رضا الهندي الموسوي, عائشة التيمورية, عباس محمود العقّاد, عبد الحسين الأزري, عبد المحسن الكاظمي, محمّد سعيد الحبوبي, محمّد مهدي البصير, محمّد مهدي الجواهري,حيدر الحلي, جعفر الحلي, محمود البستاني, مظفر النوّاب, نازك الملائكة نجيب, محفوظ نزار قباني,احمد مطر ... وغيرهم )
********************
(نموذج للاطلاع والدراسة) السيد حيدر الحلي
وُلِدَ السيد حيدر بن سليمان بن داود الحلي في مدينة الحِلَّة ليلة النصف من شعبان ما بين سنة ( ١٢٤٠ - ١٢٤٦ هـ ) ونسبه يرجع الى زيد الشهيد نشأ عند عمِّه السيد مهدي لوفاة أبيه .
نشأ سيد حيدر في حجر عمه السيد مهدي ، شهماً ، أديباً ، وقوراً ، تقياً ، عليه سمات العلماء الأبرار ، كثير العبادة والنوافل ، كريم الطبع ، فاق شعراء عصره في رثاء الإمام الحسين ( عليه السلام ). فكان شاعراً بارعاً لا منازع له ، وله إلمام بالعربية ، مصنفاً تقياً ، ناسكاً متقرباً إلى الله عزَّ وجلَّ بمدح آل البيت ( عليهم السلام ) فألحقَه عمه بِطُلابِ مدرستِهِ العلميةِ وكانت الحلة في الفترة التي عاش فيها وما سبقتها تزخر بالعلماء والفقهاء والخطباء والشعراء والأدباء, كان السيد حيدر الحلِّي يُنَقِّحُ حوليَّاته الشِّعريَّـة ويعيد النظر فيها عدة مرات قبل إذاعتها في الناس وقد وهبه الله لساناً سَؤُلاً وقلباً عقولاً فكان أوعى رجال الأدب صدراً ومن أكثرهم حفظاً وأشدهم مزاولةً لأشعار العرب فصار بسبب هذا جزل الألفاظ رقيق المعاني حسن الروية جيد الطبع فجاء شعره متين التأليف عربياً فصيح المفردات وعكف على قراءة شعر كبار الشعراء ودرسه دراسةً تحليلية ووعاه وحفظ الكثير منه فقد درس شعر الشريف الرضي وجمعَ بقلمه ديوان المهيار كاملاً في أربعة أجزاء وجمع ديوان أبي الحسن محمد بن هاني الأزدي الأندلسي .
ومن ذلك نعلم ضخامة ثروة السيد حيدر الِحَّلي اللغوية ورصانة شعره وقوة موهبته وما ملك من الصور الجمالية والمعاني الخلاقة اللطيفة والألفاظ الجزلة التي استفادها الشاعر من ثقافته المتنوعة الواسعة وبيئته العلمية والطبيعية ولقد بدأ السيد حيدر يكتب الشعر في حياة عمه المهدي وكان يعرض عليه شعره فينال منه التشجيع والرعاية وشبَّ السيد حيدر شاعراً مجيداً ثم صار شاعر عصرِهِ بامتياز وأديباً ناثراً وكاتباً مترسِّلاً فتألَّق نجمه الأدبي وقد أكثرَ من الشعر ولا سيما في رثاءِ الإمام الحسين بن علي (ع) وإنتشر شعره في حياته وبقي خالداً متألِّقاً بعد مماته يتناقله الأدباء عن النقاد وتردده المنابر فيلقى إعجابَ السامعين
الزهراء تشاركه الكتابة
قال الشيخ محمد السماوي رحمه الله : أخبرني العـلامة السيد حسن بن العـلامة السيد حسن بن العلامة السيد هادي الصدر قال: أخبرني السيد حيدر الحلي قال: كنت بصدد إعداد قصيدة للمحرم وقد شغلني التفكير بإعدادها وإختيار مطلعها ثم آويت إلى فراشي فرأيت فيما يرى النائم فاطمة الزهراء(ع) فأتيت إليها مسلِّماً عليها مقبلاً يديها فالتفتت إليَّ وقالت:
أناعيَ قتلـى الطفِّ لازلت ناعيـا تُهيج على طول الليالي البواكيا
أعد ذكرهم في كربلا إنَّ ذكرهم طوى جزعاً طيَّ السجلِّ فؤاديا
فانتبهت باكياً متأثرا وأنا أحفظ البيتين وأرددهما فكتبتهما وجعلت أعيدهما ماشياً في بَهو منزلي حتى فتح الله عليَّ فقلت :
ودع مقلتي تحمر بعد ابيضاضها بِعَدِّ رزايا تترك الدمع داميا
وهذه القصيدة من غرر قصائده ومنها:
ومما يزيـل القلب عن مُستَقَـِّره ويترك زند الغيظ في الصدر واريا
وقوفُ بناتِ الوحيِّ عندَ طليقِهـا بحـالِ به يُشجين حتى الأعـاديا
أبا حسنٍ حربٌ تقاضتـك دينها إلى أن أساءت في بنيك التقاضيا
وكانت هذه القصيدة من بعدُ من أحبِّ قصائدِهِ إليهِ حتى أوصى أن تُكتبَ وتُوضعَ في كفنَهَ بعدَ موته ومن أجل هذا كان يقول: كل شعري لي إلا بيتين هما لفاطمة الزهراء (ع) مشيراً للبيتين المذكورين
شهادات بتفوقه :
شعره موضع إعجاب الأدباء وإكبارهم وصار من المتسالم عليه أن شعره يفوق المتوقع حتى عده العلامة السيد محمد القزويني أشعر الشعراء الطالبين وقال له السيد ميرزا صالح القزويني إنَّ رثائك يحبب إلينا الموت ووصفه الشيخ حسين النوري: إمام شعراء العراق بل سيِّد الشعراء في الندب والمراثي على الإطلاق وخريِّت صناعة الشعر
واما الجواهري فيقول: أمَّا الشاعر الحلي الكبير الثاني والمُحلِّق على وجه التقريب بعد السيد حيدر فهو جعفر الحلي
ووصفه الدكتور أحمد الوائلي بقوله: وبحكم طول مسيرتي في الخطابة فقد وعيت مئات النصوص ولكن شعر السيد حيدر يظلُّ الأُفق الذي تحتدم أجواؤه بما لا يسع البيان تصويره
تميزه بالرثاء
استطاع السيد حيدر تطوير فن الرثاء في الميدان الطويل فحلَّق في حولياته التي خصصها لرثاء أبي عبد الله الحسين (ع) ونافس فيها فحول الشعراء المتقدمين والمتأخرين وجاء بلون جديد من الرثاء وتفنن فيه بل لم يسمع القارئ شعرا بمستوى رثاء السيد حيدر على الاطلاق.
الحوليات
والمميز لحولياته وضوح الثورة فيها فهو ثائر محرِّض على الثورة ضد الظلم والطغيان موتور فيقول في إحدى قصائده :
أهاشم لا يوم لك ابيضَّ أو تُرى جيادُكِ تزجي عارض النقع أغبـرا
طولـع في ليل القتـام تخالـها وقد سدت الأفق السحابَ المسخرا
عليها من الفتيان كل ابن نـثرةٍ يَعدِّ قتيـر الـدرع وشـياً محبَّـرا
بني الغالبيين الألى لست عـالماً أأسـمح في طعنٍ أكفك أم قِرَى
إلى الآن لم تجمع بح الخيل وثبـةً كأنك ما ترين في الطف ما جرى
هلَّم بِها شعثَ النواصي كأنَّهـا ذئابُ غضاً يمرحن في القاع ضُمَّرا
وإن سألتْكِ الخيلُ أين مغارُها ؟ فقولي : ارفعي كل البسيطة عثيرا
فإنَّ دماكم طحن في كل معشر فـلا ثأر حتى ليس تبقين معشرا
ولا كدمٍ في كربلا طاح منكم فـذاك لأجفـان الحمية أسهرا
ومن أشهر الحوليات ما نقل انه التقى إثناء كتابتها بالإمام المهدي (ع) وألقاها عليه وأثار بها حزن الإمام (ع) ومنها:
الله يا حـامي الشريعة أتقرُّ وهي كـذا مروعـة
بـكَ تسـتغيث وقلبها لك من جوىً تشكو صدوعه
تدعو وجرد الخيل مصـ ـغيـة لـدعوتِهـا سميعـة
وتكـاد ألسـنة السيو فِ تجيـب دعـوتَها سريعة
حيث الحسين بكـربلا خيـل العدى طحنت ضُلَوعه
ورضيعـه بدم الوريـ ـدِ مُخضبٌ فـاطلب رضيعة
ما ذنبُ أهلِ البيت حتَّـ ـى منـهم أخلـوا ربُوعهُ
الاستنهاض الحماسي:
هو دوما يحرض عشيرته على الثورة في شعره كقوله:
يا آل فهر أين ذاك الشـبا ليست ظُباكِ اليوم تلك الظُّبا
لا ينبت العزَّ سـوى مربعٍ ليس بـه برق الظبـا خُلَّبَـا
ولم يطأ عرش العلا راضيـاً مـن لم يطأ شـوك القنا مُغضبا
حي على الموتِ بني غـالب مـا أبـرد الـموت بحر الظُّبا
قُومي فإمَّا أن تجيـلي على أشـلاء حـرب خيلك الشزبا
أو ترجعي بالمـوت محمولةً على العـوالي أغـلبـاً أغلبـا
ما أنت للعليـاء أو تقبـلي بالخيـل تنـزو بك نـزوَ الدَّبَا
الله يا هاشـم أين الحمـى أين الحفـاظ الـمرُّ؟ أين الإبا
كيف بنات الوحي أعداؤكم تدخـل بالخيـل عليها الخبا
ومرة يثير همة الإمام المهدي (ع) ويستنهضه ويطلب منه أخذ الثأر من الظالمين فيقول :
أقائمَ بيت الهدى الطاهر كم الصبر؟ُ فُتَّ حشا الصابر
وكـم يتظلم ديـنُ الإله إليـك مـن النـفر الجـائر
ولابدَّ من أن نرى الظالمين بسـيفك مقطـوعة الـدابـر
بيـومٍ به ليس تُبْقِي ضبا كَ على دارع الشرك والحاسـر
الصورة الفنية:
والصورة الفنيِّة في شعر السيد الحلي متميزة بحيث أنَّ من لديه الحسَّ المرهف يستطيع تمييز شعره عن غيره بمجرد سماعه. فهو يرسم لك صورةً ترى فيها الحرب قائمةً أمامك والقتلى تتهاوى تحت ضربات المقاتلين وترى الفرسان المدافعين عن آل الرسول الرافضين الظلم يتقدمون إلى المنايا ويريك ناراً تلتهب في خيام آل محمد (ص) وأطفالاً ونساءً تتصارخ ويصور لك الشجاعة في أروع أشكالها متمثلة بالهاشِـميين وقد ثبتوا في أرض الوغى ومن روائعه هذه الصورة:
تُسـاقطُ الأدمعَ أجفانُها كالجمرِ عن ذوب حشاً أُلهبـا
فـدمعها لو لم يكن محرقاً عـاد به وجه الثرى معشـب
من مؤلفاته:
١- ديوان شعره ، وهو كبير ومطبوع .
٢ - العقدُ المُفَصل في قبيلة المَجدِ المؤثل ، وهو كتاب أدبي ، فيه مدائح وتهاني في عشيرة آل كبة البغدادية
توفّي السيد الحلي ( رضوان الله عليه ) عام ١٣٠٤ هـ ، ودفن بجوار مرقد الإمام علي (عليه السلام ) في مدينة النجف الأشرف