حينما تقوم إحدى الوزارات أو إحدى المديريات العامة بإيفاد أحد موظفيها إلى تشكيلاتها المنبثة في محافظات العراق لإنجاز مهمة رسمية ،فإنّ أمر الإيفاد يصدر طبقاً لقانون السفر والإيفاد النافذ ،ويـُتيح القانون المذكور منح سلفة لهذا الموظف تسمى سلفة الإيفاد لملافاة مصاريف النقل والطعام والمبيت . لكننا نجد أنّ رئيس الدائرة في المحافظة التي يُفد إليها هذا الموظف يستقبل هذا الموظف استقبالاً حافلاً يتخطى في أكثر الحالات أنماط السلوك الوظيفي التي حددتها القوانين والتعليمات الصادرة ،فيعمد إلى دعوة هذا الموظف لحضور (حفلة غداء/عشاء كبرى) في أحد المطاعم الراقية في المدينة ،وعلى طريقة استقبال رؤساء العشائر لأضيافهم القادمين إليهم من أماكن بعيدة ،وغالباً ما يتأثر التقرير الرسمي الذي يرفعه الموظف الموفد بهذا(الكرم الحاتمي) الذي يغدقه مدير الدائرة على الشخص الموفد أملاً أن تطول مدة ولايته في هذه المملكة التي يملكها !
ليس هذا المهم ، لكن المهم أنّ هذا المدير يطلب من محاسب الدائرة بقيد مبلغ الوليمة على حساب مبلغ النثرية المودع لديه .ليبقى مبلغ السلفة التي تسلمها الموفد في جيبه ،وحينما يعود لتسوية مبلغها ،فأنه يعمد إلى إحضار إيصالات غير واقعية من المطاعم ومن الفنادق ضماناً لحصوله على كامل مبلغ الإيفاد .
ولذا نجد أنّ البعض من موظفي الوزارات والمديريات العامة يتهالكون للحصول على (فرصة إيفاد) إلى أحدى المحافظات !
إنّ قيام الموظف الموفد باللجوء إلى هذه الطريقة الملتوية إنما يعني أنه سيتناول أموالاً من السحت ،يصعب على أجهزة الرقابة الداخلية من تشخيصها . ولذا نجد أن القوانين تعجز عن معالجة هذا المرض السلوكي.
أحد الوزراء قام مؤخراً بزيارة مؤسسات وزارته في إحدى المحافظات ،مستصحباً معه فريقاً من مسؤولي الوزارة ،ويتبع كلاً منهم طاقم كبير من أفراد الحماية العسكرية بلباس مدني وعسكري .وقد بلغت تكاليف إطعام هؤلاء(الضيوف) خمسة عشر مليون ديناراً عراقياً ،بحسب مبالغ الإيصالات التي حررها أحد المطاعم الخرافية . ولم يتسنَّ لي الإطلاع على (فواتير) الفندق الفاره الذي قضى فيه هذا الوزير والوفد المرافق له ليلتهم فيه، حيث تم حجز خمسة وعشرين غرفة على حساب مبلغ النثرية في تلك الدائرة .
لماذا يسمح الوزير لنفسه أن يتناول المال الحرام ،وبهذه الطريقة المخجلة التي تنم عن وضاعة يندى لها الجبين ؟؟
ما هذا الإقبال البشع على حب تناول الأطعمة بأموال مسروقة بطريقة ذكية ؟؟
هل أصيبت طائفة المسؤولين الرسميين بمجاعة جعلتهم يتوسلون بشتى الوسائل للإنكباب على موائد الطعام في مطاعم الدرجة الممتازة ؟
متى تنتهي (حفلات موائد الطعام) في العراق ؟؟
(المعضلة الكبرى) هي أنَّ تقييم الأشخاص يعتمد اعتماداً كلياً على ما يقدمونه من طعام للآخرين ،بصرف النظر عن أنَّ مبالغ الطعام من السحت ،أو من الحلال ؟؟