معلوم ان النفس البشرية تواقه دائما للكثير من الحاجات التي يعتقد انها تحقق التكامل للشخصية ، وابرزها الجاه والمال الذي في العادة يختبر عندهما وفيهما البشر،لهذا نجد الطغاة دائما يغدقوا على اتباعهم وحواشيهم في الامتيازات كي يقتلوا فيهم عناصر الخير ويجولوهم الى عبيد لشهواتهم ورغباتهم ويقتلوا فيهم صفات الشجاعة والكرامة تلك الصفات التي تكون في العادة لدى الاحرار،وربما واحده من المؤامرات التي تعرض لها المشروع الوطني في العراق بعد السقوط على يد المحتل لتنفيذ مشروعه بالبلد هي مؤامرة الامتيازات الكبيرة التي يحصل عليها المتصدي للعمل في المناصب العليا كالمجلس النيابي ورئاسة الجمهورية والوزراء ووكلائهم والمدراء العامون وموظفي الرئاسات وسكان المنطقة الخضراء،حيث يتلقى هؤلاء اموال كثيرة تفوق جهدهم ولاتتناسب مع نظرائهم في الدوائر الحكومية الاخرى وممن يبذلوا جهود تفوق جهودهم كثيرا،فالنائب في مجلس النواب يفترض ان يكون ممثل للشعب ويعمل على رفع الحرمان والظلم عن من يمثله،ويشرع القوانين التي تسهم في خدمة الوطن والمواطن ويبذل جهده لبناء الدولة العادلة واكمال مفاصلها من خلال توفير مستلزمات البناء من القوانين ومراقبة التنفيذ ومعالجة المعرقلات التي تقف حائلا دون ذلك،لذا يجب ان يمتلك من يتصدى لهكذا مسئولية مؤهلات ابرزها عزة النفس وترفعها عن الانا،لكن الواقع يسفر عن خلاف ذلك بكثير وواحده من الاسباب التي تدفع اصحاب النفوس الضعيفة الى ولوج هذا الميدان المقدس كما يفترض الامتيازات التي يحصل عليها من راتب خيالي وحماية وموكب كبير،وسلطة لاتتناسب مع موقعه لذا تصاغر الكثير من هؤلاء وتحول الى معقب او سمسار صغير يجوب وزارات الدولة ليحصل على المقاولات او الاستثمارات ليكون نصيبه منها عمولة (قامسيون) يحصل عليه من الطرف المستفيد شركات او افراد،لذا نعتقد ان اول المعالجات لاصلاح حال السلطة التشريعية الغاء الرواتب التي يحصل عليها النائب وتحويلها الى مكافئة وتحديد علاقتهم بالدوائر التنفيذية بالرقابة على ان تتم لقاءاتهم مع رؤساء الدوائر والمعنيين في اروقة مجلس النواب ومن خلال لجان هذا المجلس ومنع وبشدة اي زيارات شخصية لهؤلاء،وايضا تقليل عدد افراد الحماية للنائب فوضع البلد معروف ويحتاج لتضحية من قبل من يريد التصدي فمن يخشى على نفسه عليه ان يجلس في احلاس بيته،عندها سنجد معظم الطارئين على العمل السياسي والنيابي يلوذون بالهرب من هذا التكليف وسيتصدى المخلصين والقادرين فقط،وهكذا بالنسبة للوزراء ووكلائهم يجب ان تحدد امتيازاتهم وصلاحياتهم الى ابعد الحدود الممكنة ليشعروا ان المنصب تكليف وليس تشريف وعليهم ان يمارسوا هذا الدور او يتنحوا جانبا ليتصدى من يتشرف بخدمة وطنه واهله،ولو تم تطبيق هذا الامر سنجد اكثر من ٩٠% من المتصدين الان خارج المشهد،وسوف يظهر الكفوء والمخلص والوطني الذي اغلقت بوجه الابواب من قبل هؤلاء وشنوا عليه حرب مختلف الاشكال وبكل الوسائل والطرق،وعندها ربما لن نحتاج الى دائرة نزاهة او مفتش عام،وسنشهد استقرار في الوضع الامني لان افواج الحمايات التي ترافق هؤلاء المسئولين من مدير عام صعودا سوف يتم تحويلهم لدعم الاجهزة الامنية وسنوفر مليارات الدولارات لخزينة البلد من رواتب ومخصصات وسنحصل على شركات رصينة تساهم في البناء لان مثل هذه الشركات لن تحتاج الى سماسرة للحصول على المقاولات والاستثمار فقط هي الشركات الوهمية والسيئة من تبحث عن نواب البين لتحصل على عمل ما في العراق،وسنحصل على كادر متمكن ونزيهة في ادارة مفاصل الدولة لان الاستحقاق والقدرة هي التي تأتي بالشخص للمنصب وليس هواتف وزيارات وتهديدات نواب البين،وستنجح خطط مكافحة الفساد لان الفاسدين سوف لن يجدوا نائب طاريء يدافع عنهم لكونهم ينتمون لحزبه او لطائفته،وستنتهي المحاصصة لان ادعياء القيادة سوف لن تجهد نفسها في الحصول على المناصب لنسيب او قريب لكون المنصب اصبح للخدمة والجهد المضاعف والمخاطر الكثيرة،هذا حلم لن يتحقق لكن لنا ان نحلم...