ونجد المذهب الفردي , الذي يؤكد على الحرية الفردية , و يعتبر الفرد هو غاية النظام , و ما السلطة الحاكمة إلا و سيلة لتحقيق الأمان , لذا يصفها بشرطي المرور الذي ينظم السير فقط.
والحرية كما عرَّفها البعض, إنها قدرة الانسان على السعي وراء مصلحته التي يراها بحسب منظوره شريطة أن لاتكون مفضية الى إضرار الاخرين .
وقال كانت, الحرية عبارة عن إستقلال الانسان عن كل شيء الا عن القانون الاخلاقي.
وأما آية الله جوادي آملي فيعرف (الحرية) من المنظور الاسلامي فيقول(الحرية من المنظور الاسلامي عبارة عن التفلت والتحرر من عبودية وإطاعة غير الله تعالى).
ومجمل القول فالحرية ,(هي حلم تنشده البشرية على الرغم مما تبذله من دماء وتعاني من تجويع وتشريد).
فهناك دواعي لظهور هذه التعريفات المختلفة للحرية كل حسب حاجته وغرضه.
فالحسين أبو الاحرار,لانه لم يرد الحرية لنفسه فقط, بل أرادها للمجتمع الذي يعيش فيه, ثم للانسانية مضحيا بنفسه من أجل تحقيقها,فمنهج ثورته عام وشامل ينشد الحرية لكل الناس في هذه المعمورة ,ولكي نفهم ثورته أكثر من ذلك لنصل الى التكامل في فهمها وماوصلت اليه من نتائج وانعكاسها على الوضع الانساني أو على الاقل على الوسط الاسلامي والشيعي بالخصوص , يجب حينذاك التعرف عن معنى الحرية الحقيقي الذي أراده الامام الحسين عليه السلام,لنتمكن إقناع انفسنا اولا ثم الاخرين عن المعنى الكبير لثورته الجبارة.
إذن ماذا أراد الامام الحسين من الحرية ؟هل إن بعض هذه التعريفات تنطبق على مايهدف اليه ؟ أم حرية مغايرة عما جاء بها أربابها وروادها؟ أم تلك الحرية التي لاتحدها حدود؟ أم الحرية التي تتقيد فقط لمصلحة ذاتية؟ أم هي التي لاتتم ولاتتوسم الابشرط العبودية لله سبحانه فقط؟!! وهو المطلوب!, وهذه هي سر حرية الحسين وهي التي لايمكن أن تكون مقيدة بحكم حاكم أو بحب الدنيا وأطماعها لانه قال:
(تركت الخلق طراً في هواكا ....وأيتمت العيال لكي أراكا ).
( فلو قطعتني بالحب أربا... لما مال الفؤادُ الى سواكا ).
وهو القائل (ماخرجت أشرا ولا بطرا إنما خرجت للاصلاح في أمة جدي).
وكلمة أشر,تعني(نشِطَ واستكبر), فهو أشر(بلْ هو كذابٌ أشِرْ) القمر آية٢٥....وكلمة(بطر) قال الزجاج البطر الطغيان عند النعمة ,أي إنه ليس مستكبر ولا طاغي عندما يسلطه الله على النعم.
فالحرية التي أردها الامام الحسين ليست الحرية مع التكبر والطغيان على المجتمع, إنما حرية من يحفظ لنفسة وللآخرين حقوقهم دون التعدي على المصلحة العامة للمجتمع ,بحيث يجعل منها هدفا مقدسا ترمي لتحقيقه كل الشعوب المتطلعة للتحرر,والتحرر من شهوات النفس وثقل أطماعها ونزواتها التي تؤدي الى ضياع الحقوق العامة,وتلك التي تجاوزها وهضمها يزيد وبنو أمية خدمة لأغراض جاهلية وثارات قديمة,إذن أهداف الحسين وصرخته للحرية لايمكن أن تتحقق الا بالعبودية لله سبحانه أولا وعدم التجاوز على مايتطلع اليه عباده وخلقه,كل هذه المطالب من قبل الحسين وأصحابه جائت نتيجة خلل في تطبيق معاني الاسلام ومبادئه السامية من قبل المتأسلمين والمتسلطين على مقدرات الامة, وبما إن مطالبتة بالحق شيء مقدس ,اذن فالتجريء على الحق هو إسائة له ولقدسيته.
إذن هناك خلل في المسيرة الاسلامية التي أراد رسول الله أن يرقي بالامة الى أعلى القمم, ولكن أثبتت الاحداث إنها الامة التي يقودها ذلك الخاضع والعابد لشهواته ونزواته ليبدأ بتأسيس أركان جديدة للعبودية لغير الله كي لايبقي للاسلام أي ركن ولايبقي متكيء يركن اليه لرقي المسلمين,اذن تلك الامة لاتستحق أن تنتصر على أعدائها لانها لم تستطع الانتصار على شهواتها ومتسلطيها, وهو ماحدث ويحدث الى الان .
لذلك قام الحسين بترسيخ الاركان قبل أن تنهار وتبيد, ليبدأ بناءها على النصيحة أولا ثم التضحية بنفسه وماله وأهله (ولهذا يصدق على ثورته إن الاسلام محمدي الوجود.. حسيني البقاء) وهي إشارة للمسلمين إن البناء لمشروع الحرية يجب أن يبدأ بالنفس ولايجوز الاعتداءعلى حرية الاخرين وإختيارهم وقد يتجلى ذلك عندما ينصح أصحابه ليلة العاشر من محرم (ليتخذن أحدكم الليل جملا....إنما القوم يقصدونني).
وبهذا نفهم لماذا كل هذا التمسك من صحابته به والتضحية من أجله ومبادئه المقدسة؟ ,وعدم التنازل عنه مطلقا !!,فهل لانه أطعمهم المعنى الحقيقي للحرية وإنها من بعده لاتكون شيئا؟!! وهو كذلك!!,لإنها ليست تلك (الحرية) التي تتوشح بالوهم يتقلدها البعض شكلا لاجوهرا, ليُتـَجاوز بها على مصادرة حقوق الآخرين وأحلامهم.
هذه الحرية التي ينشد تحقيقها الامام لم يسبقه بها أحد, ولايأتي بعده أحد كي يطالب بها على نفس الوتيرة من التضحية, والتي قدمت للاحرار صنوفا من أروع ماللاخلاق الحميدة من مثل ودروس وعبر, تتناولها الاجيال, جيلا بعد جيل خدمة لغرض سامي ترمي اليه الامم المحبة للحب والسلام ونبذ الظلم كي تستريح من هم وليل العبودية والرق والقمع ومصادرة الآراء.
جاسم الأسدي