عزفت القيثارة الاولى الحانها الشجية على تلك المسارح لتصاحب شجن الصوت الجنوبي العذب المنساب على ضفاف الاهوار،المتداخل مع أنين ربابة البوادي، والمتناغم مع ناي رعاة الجبل المعشوشب الأشم، من كهوفها اطلت بدايات الرسوم الفطرية لتتلقفها انامل الابداع فتحيلها لوحات معبرة زينت جدران المعابد والقصور والبوابات لوحات منها استمد الرسامون والنحاتون والتشكيليون العرب والاوربيون القدماء والمحدثون والمعاصرون واقعيتهم وانطباعتيهم وتجريدهم وبورتريتهم .. من المعيب والمخجل ان تظل هذه الثقافة اسيرة بنايتين خربتين او ثلاث، ويظل روادها وحملة همومها اسرى مقاه بائسة متهالكة مع جل احترامنا وتقديرنا للنكهة التراثية التي تعطر اجواءها والمسحة الشعبية التي تزين جلساتها ومع كل تكريمنا وتعظيمنا لارواح روادها حملة الهم الثقافي الاول طيلة فترات قيام الدولة العراقية الحديثة والذين وجدوا فيها ملاذا انتقلت عدواه جيلا بعد جيل، يلجؤون اليها كلما اختمرت في رؤوسهم فكرة او صدح في مخيلتهم لحن او ترنمت على السنهم ابيات او اهتزت في اناملهم ريشة او عنت على خاطرهم ذكرى. على طقطقة استكانات الشاي وضجيج قطع الدومينو يتحاورون ويعرضون على بعضهم نتاجاتهم فتتناولها السن النقد والتقييم والتشجيع والتصحيح والتعريض والتقريض والجدل والسجال ينفض بانفضاض مجلسهم وقد تؤجل وربما استمرت لياليا واياماً حتى يستجد مشروع جديد لقصيدة او لوحة او كتاب او اغنية او معزوفة او مسرحية.
ليس من المعقول ولا المقبول وفي ظل طفرات حضارية متسارعه تجتاح العالم من اقصاه الى ادناه، طفرات شملت كل مفاصل الحياة واستوعبت جميع حقولها وفي مقدمتها الثقافة عنوان وجود الشعوب ومظهر حضارة وتقدم وتمدن الأوطان.
حيث جعلت وزارة الثقافة في مقدمة التشكيلات الوزارية من ناحية الرعاية والتخصيصات المالية، واقامت ارقى الصروح وصالات العرض لاحتضان الاعمال الفنية والتراثية والادبية بكل تفرعاتها وانشأت اجمل وارق واحلى الصالونات لاحتضان المثقفين مهيئة لهم اهدأ الاجواء وارقى المستلزمات الحضارية ولكل حسب اختصاصه ومجاله الادبي بتشعباته والفني بتنوعاته، ليس من المعقول ان لا تتمتع الثقافة العراقية بما يتمتع به مثقفو العالم العربي والاقليمي فضلا عن الاوربي، متعة ليس بالمعني الحرفي للكلمة بل رعاية تليق بسمو الثقافة الرافدينية وعمادها رعاية من شأنها ابراز وجه العراق الحضاري وقابليات وابداعات شعبه المثابر. امور مقدور عليها تتمثل باختيار مكان مناسب والأفضل ان يكون تراثياً لتتحقق الكثير من الاهداف وفي مقدمتها لفت انظار المؤسسات الثقافية العالمية والعربية التي ستشارك في احتفالات بغداد ٢٠١٣ من خلال ربط الحاضر بالماضي، هذا المكان يكون صرحاً للثقافة والمثقفين يؤدون رسالتهم من خلاله، يزرعون ثقافة التسامح ونبذ العنف في نفوس الصغار والكبار من خلال تنظيمات سفرات مدرسية لزيارته ومن كافة مراحل الدراسة ليلامسوا عن قرب رسالة المثقف ويتذوقوا حلاوة الفن والادب ويمقتوا صراعات الكراهية والعدوان ويتعلموا قبول الرأي الاخر واحترامه وينشدوا الى تراثهم ويعملوا على تعزيزه مستقبلا، وليسهموا بجعل بغداد عاصمة ابدية للثقافة .