واحدى المشاكل هي تقولب الاحزاب على المفاهيم والممارسات التي كانت ضرورية للمراحل السابقة.. فاحزابنا عريقة، وتتمتع بجمهور واسع، وقدرات كبيرة، وقدمت تضحيات هائلة وتتصدرها اسماء مرموقة. ولأنها معروفة وكبيرة فان تكيفها مع المرحلة الجديدة قد يتطلب وقتاً وجهداً غير قليلين.. وهذا شرط ليس لنجاحها فقط بل لنجاح مجمل التجربة الديمقراطية، باعتبارها القوى الرئيسية الحاملة للمشروع والمجسدة له. مما يضع تلك الاحزاب امام خيارين.. اما ان تعمل لاعادة تكييف نفسها جذرياً لتتخلق باخلاق وسلوكيات المرحلة الجديدة ونبذ السلوكيات المعارضة او الحاكمة السابقة.. او ان تمثل مصالح انانية خاصة.. مما يقود.. لتعثر التجربة بل فشلها.. او لبروز حركات واحزاب جديدة، ان امتلكت مؤهلات تلبية متطلبات المرحلة، فستتجاوز من يتخلف، مهما كانت عراقته.. وستوفر لنفسها ولجماهيرها وللرأي العام المعرفة والقدرة لانجاز المهام لبناء دولة عصرية راعية وخادمة لحقوق المواطنين.. وليس مجرد دولة ريعية، عسكرية، امنية، فاسدة، محتكرة، متغولة تتعيش من بؤس وتجهيل الشعب والكذب عليه.. او معارضة لا تعمل سوى على اعادة انتاج الماضي.
فمصادر قوة الاحزاب -باسمائها المختلفة- هي اليوم نقاط ضعفها.. فاحزابنا واجهت مهاماً صعبة اختلط فيها التحرر الوطني ومقارعة الاستعمار وحق تقرير المصير.. بالدفاع عن ثوابت الامة الدينية والوطنية.. بالحفاظ على البلاد بمكوناتها المختلفة موحدة ومتواصلة بامتها بابعادها المختلفة العقيدية والقومية.. بمقارعة الظلم والدكتاتورية والفقر والمطالب اليومية للجماهير.. باهمية الرقي بالبلاد لتكون في مصاف الامم والحضارات. وهذه مهام تراكمت واختلطت بمضامين وتوجهات مختلفة داخل البنى الفكرية والمفاهيمية للاحزاب باختلاف انتماءاتها وايديولوجياتها وقومياتها.. فاوجدت تباينات جدية فيما بينها.. وتضادات كبيرة في التعامل مع موضوعة بناء الدولة الدستورية الجديدة.
بعض تلك المهام قد انجز او تراجع، مما يتطلب التصفية والتخلص من الاثار العالقة.. واخرى ما زالت ضاغطة يجب اعادة تكييفها مع المهمة الاساسية الراهنة وهي بناء الدولة.. لتأتي منسجمة وليس متعارضة معها كما يحصل حالياً.. فتولد سلسلة من التعطيلات والتصادمات التي ستتعمق وتزداد.. لنستمر بارتكاب الاخطاء ومحاسبة غيرنا واعفاء انفسنا.. والانشغال بالشكليات.. وترك الاساسيات.
عادل عبد المهدي