التظاهرات في بعض المحافظات طبيعية يجب ان تؤخذ في اطارها المطلبي الطبيعي ، ومطالب المتظاهرين هي مطالب جميع العراقيين ، أزمة حياة : فقر ، بطالة ، فقدان خدمات ، تهميش ، فوضى ، فساد ، احباط ، غموض مستقبلي ، كل ذلك يجري في اغنى بلد في العالم ، كل العراق يعيش هذه الأزمة ، ولا عراقي افضل من عراقي ، هناك اعتراف بأن التظاهرات مرت بمراحل فقد بدأت بمشروع وانتهت الى مشروع مختلف ولا يعرف أحد بأي مشروع ستنتهي ، الجمهور يعيش مأساة وهو متوتر ومعبأ ويبحث عن سبب يفجر غضبه وقد جاءت قضية العيساوي لتلعب دور صاعق القنبلة ، لكن التحالف التكفيري البعثي سرق التظاهرة من يد العيساوي وركب موجتها ونادى بالغاء الاجتثاث ومادة ٤ ارهاب ، ولكن بعض القيادات المخلصة بدأت تأخذ الجمهور باتجاه مطلبي شرعي وطبيعي ، وبدأ خطاب التظاهرات يبتعد عن الطائفية والتهديد . من يقول بأن هذه التظاهرات نظمها الارهابيون او البعثيون فهذا اعتراف واضح بأنهم يملكون تأييدا ساحقا في الشارع ، الصحيح ان التظاهرات مطلبية توفرت لها مبررات انطلاق وحاول البعض ركوب موجتها ، لذا من الطبيعي ان يكون التحالف الوطني هو المعني بالقضية باعتباره التحالف الحاكم وصاحب الاغلبية البرلمانية ، وقد تعامل التحالف مع مطالب المتظاهرين مؤكدا ان بعض المطالب تتعلق بالبرلمان وبعضها تتعلق بالحكومة وهي مقدمة جيدة لكن الخطوة التالية كانت فاشلة ، فعندما اراد البرلمان الانعقاد لمناقشة مايتعلق به من المطالب سارع التحالف الوطني نفسه الى تخريب النصاب ! وهو صاحب الاغلبية ، بينما المتوقع أن يشعر التحالف بمسؤولية تجاه طلبات المتظاهرين ، فان كان يخشى هجوما كلاميا من نواب مناوئين فهو بامكانه ان يهاجم ايضا ويحاسب قادة التظاهرة على رفع علم غير دستوري يمثل البعث ، ورفع صورة اوردغان وهو شخصية اجنبية ذات دور طائفي ورفع صورة صدام ورفع علم عصابات القاعدة في سورية ، وترديد هتافات طائفية تهدد الأمن الوطني والمطالبة بالغاء مواد ذات طابع دستوري ، اعاقة التحالف الوطني لانعقاد البرلمان تصرف انهزامي وهروب الى الامام وليس تصرف الكتلة الحاكمة الابوية الواثقة والقادرة على استيعاب جميع شعبها بطيفه المنوع ، وقد وفر هذا الموقف القاصر فرصة للسيد اسامة النجيفي لكي يظهر كبطل مطلبي يسعى لحل المشكلة فلا يساعده أحد ، لا شك ان هذه التظاهرات كلما استمرت لمدة اطول تضاعفت مخاطرها وازداد التدخل الاجنبي فيها وامتدت الى مناطق اخرى من العراق ، خاصة وان هناك تحشيدا طائفيا يستهدف بغداد وهي تستعد لتظاهرات مماثلة ، وعندما يستمر اهمال التظاهرات وتجاهلها فسوف يتم تسليح المتظاهرين وتنتشر القوات الشعبية المسلحة في تلك المناطق وتطرد الجيش منها ، واذا كان دخول المناطق السنية الآن ممكنا فسوف يصبح دخول الانبار وصلاح الدين والموصل ممنوعا على اي مسؤول عراقي الا بعد تنسيق مع القيادات المحلية مثل كردستان الآن ، وسيكون وضع بغداد هو الاصعب فهي عاصمة منقسمة ومتأثرة بالانفصال الطائفي وستكون مهيئة لبناء جدار برلين هذه التحولات الدرامية في المشهد السياسي العراقي يمكن ان تجري عندما تتجاهل الحكومة هذه التظاهرات وتستمر في تسفيه طلباتها ، بامكان التحالف الوطني الآن ان يعلن احتضانه لشعبه في الغرب وتبني مطالبه وتفكيك طلباته فما كان تشريعيا يحال الى مجلس النواب وماكان حكوميا يحال الى الحكومة لنزع فتيل الأزمة واعادة الثقة ، تجاهل التظاهرة يجبر اصحابها على اللجوء الى آليات مدمرة بحثا عن حل ، عندما تستمر الحكومة في تجاهل مطالب الناس فسوف يشعرون بالاهانة ويحملون السلاح وتحملهم لغة الشحن الطائفي على الزحف الى مراكز الحكومة تحت طائلة مقولة الربيع العربي وهذه هي مرحلة اللاعودة فلا توجد في ثقافة الربيع العربي فكرة اطلاق النار على الثوار الزاحفين وهذه وسيلة بائسة لم تنقذ مبارك ولا القذافي من قبل ، انها لحظة اللاعودة ، عندما تكون الحكومة ذات قدرة على التصرف بطريقة ستراتيجية ستنجح في ادارة الازمة بشكل صحيح وليس مواجهة الازمة بأزمة ، ستكون قادرة الآن على العطاء من موقع القوي خير لها ان تضطر للعطاء غدا من موقع الضعيف فيكون عطاءها دليل هزيمة لا دليل نبل .