الجو بارد وقارس كما هي المشاعر ..حيث تختلط الرؤيا على الغاطين في نومهم هل امطرت السماء ام انه مجرد رطوبة تعطي للارض لونها القاتم .. وبين الثورة والاخرى ، ومع كل بيان يحمل الرقم واحد تتجمد الانظار وتتوقف القلوب عن النبض وتشرئب الاعناق .. لرؤية الثائر الجديد ، على ان المؤرخين يذكرون ان العراق الملكي كان يتمتع بقدر كبير من الديمقراطية ، وحسب قراءاتي فانها كانت ديمقراطية مشروطة وغير كاملة لوضع حدود لها والاتفاق ان لا تصل تلك الديمقراطية الى حدود البلاط الملكي او شخص الملك ، وجاءت فترة ثورة تموز وما تلاها من احداث وقرارات كانت تصب حسب رأي سواد الشعب لابناء الوطن الا ان الثورة القاسمية ان جاز التعبير عنها والتي تاثرات بالافكار الاشتراكية السائدة ان ذاك في المنطقة وجزء كبير من العالم الثالث ، وثورات التحرر والاستقلال كما يطلق عليها وقد اثر عليها سلبيا وتاثرت بعدة عوامل داخلية وخارجية ، منها النقمة التي اصابت المستفيدين من النظام الملكي من تجار وكبار مزارعين وملاك اراضي ، وللمفارقة فقد سالت احد الشيوخ عندنا عن سبب تراجع انتاج العراق من القمح والشعير علما انه كان يصدره في ايام الحكم الملكي وقال ساخرا: طبعا كنا نصدر لان الشعب كان ياكل الجراد وبقايا المسطاح بعد ان يقوم الاقطاعي ورجاله بكنسه ليتبقى حبات عدد اصابع اليد .
اما اعداء الخارج فكانوا القومجية وتراستهم حينها مصر ممثلة برئيسها جمال عبد الناصر والاردن ممثلة بملكها الحسين بن طلال والاول كان ناقما من قيام الثورة حينها بعدم دعم الافكار القومية وملء جيوب القومجية باسم الامة العربية والقومية في حين ان الزعيم قاسم كان همه الاوحد ان يشبع جياع الشعب ومناقبه هنا لا نحتاج لذكرها فما زالت قائمة ، اما الثاني فكان ناقما على مقتل ابناء عمومته من الاسرة المالكة في العراق (وقد كانت هناك مجزرة مروعة تسببت بقتل العائلة المالكة) على ان بعض المصادر تذكر ان قرار القتل لم يكن مركزيا بل كان اجتهاد من الموجودين في القصر من الثوار المكلفين بالاستيلاء عليه .
ولتدور رحى الايام وبعد سنة وثلاثة اشهر يتعرض قاسم الى محاولة اغتيال قادها ودبرها البعث ويقال ان من نفذها مجموعة من صغار البعثية ومن بين الاسماء التي تذكر هو( جريذي العوجة ) رغم اني اشك في ان له القدرة والشجاعة على فعل ذلك ، وقد كان تبريرهم حينها ان الزعيم قد انحرف عن مسار الثورة ، ولا اعرف هل ان هذه الفترة الزمنية القصيرة من اندلاع الثورة لحين قيامهم بعمليتهم كافية لكي تقوم الثورة ورجالاتها بالاصلاحات الكافية ، على ان بعض البعثيين قد ذكروا ان الحزب حينها متمثلا بقيادته القوميه قد عنف من قام بالعملية واعتبرها تصرفا شخصيا منهم ، واستمرت بعد ذلك القلقلات والمحاولات الطبقجلي والشواف وعارف الاول وقد قال الزعيم حينها مقولته الشهيرة: عفا الله عما سلف في تصرف انساني منه عندما اطلق سراح عارف الاول ورفاقه الذين ما استقر لهم الحال حتى قاموا بقتل الرجل رغم انه عفا عنهم ، ولكن كل انسان يعمل على شاكلته ،وكل امرء جار على ما تعودا كما يقول الطائي حاتم ، فكان ان قام عارف وزمرتهم بابشع عملية اغتيال سموها ثورة شباط ولم ياتوا بجديد حيث انهم استمروا بعمليات العبث بامن المواطن وسلامته ، واذ يرى الكثير من بسطاء الناس الذين عاشوا تلك الاحداث وعاصروها انها فترة تصفية حسابات برز فيها مجموعة من صغار البعثيين الذين تميزوا بقسوتهم واجرامهم ، وليومنا هذا فهناك من يعتبر تاريخ ٨شباط يوما اسود فيما يعتبره القومجية والبعثيين يوما ابيض اعادت فيه الثورة العراق الى محيطه العربي بعد ان سلخه الزعيم قاسم بثورته عن تلك الامة ، ويا ليته قد بقى منسلخا ، فلا العراق منتفع بالامة ولا بجامعتها ، والمستفيد الوحيد من الشعارات والتطبيقات هو مجموعة من الدول التي لها حصة الاسد في الطعام وليس الصيد ، اما باقي الدول فهي للدفع فقط وتكملة عدد ليس الا ، وما بين الابيض والاسود وبين اختلاف وجهات النظر فان الخاسر الاكبر في الثورة هذه او المجزرة الكبرى هو الشعب المسكين الذي تخلص من اقطاع وجلادين ليسقط بيد اقطاع وجلادين من نوع اخر ..سلامي