المظاهرات التي خرجت في المنطقة الغربية وضعت النقاط على الحروف وأزاحت الضباب وجعلت الصورة أكثر وضوحاً وأكثر دقة ، فقد ظهر من هذه المظاهرات إن الكثير من أبناء تلك المنطقة لم يؤمن بالعملية السياسية وينظر بنظرة دونية لبقية مكونات شعبه ويرفض ألنظام الديمقراطي ويرغب بعودة الدكتاتورية للعراق ، ولم تستنكر هذه المظاهرات الأعمال الوحشية التي قام بها البعث الكافر وقادته الظلمة ، بل على العكس فقد رفعت صور صدام حسين وأعلامه وقد أرتدى بعض المتظاهرين الزيتوني الذي يمثل اللباس الرسمي للأجهرة القمعية في النظام البائد ، وقد أظهرت هذه المظاهرات إن المشاركين فيها ولائهم للطائفة أكثر من الوطن لهذا نلاحظهم رفعوا شعار سنية سنية لا وطنية ولا قومية وقد رفعوا صور أردغان و أعلوا أصواتهم بالهتافات الطائفية المقيتة كأرحل أرحل يا شيعي ، بالإضافة الى قبولهم بالإرهاب والإرهابين من أجل تحقيق غاياتهم وأهدافهم وقد ظهر ذلك من خلال رفع أعلام القاعدة في وسط تلك الجموع وجعل المتحدث الرسمي لتلك المظاهرات أحد القتلة الذين ذبحوا أبناء العراق الشرفاء ، أما أعضاء القائمة العراقية الذين يدّعون بأنهم قادة المكوّن السني فقد نزعوا لباس الوطنية وأرتدوا لباس الطائفية من خلال مواقفهم وتصريحاتهم التي تخجل أي إنسان عنده ولو ذرة من الوطنية ، فمنهم من ينعت الأغلبية الشيعية بالخنازير ومنهم من يرجعهم الى الفرس والصفويين وبعضهم من يخوّنهم وغيرها من الألقاب البذيئة والتي لاتمثل أي إحساس بالوطنية أو الأخوة التي ينادي بها أغلب الشعب العراقي ، فلم يقتصر الأمر على أعضاء هذه القائمة بل حتى قادتها قد نفضوا عن أنفسهم رداء المواطنة والأخوة وأظهروا الطائفية والعداء فهذا رئيس البرلمان العراقي يسافر الى أكثر البلدان المعادية للعملية السياسية (قطر) ويصرح من هناك بأسقاط الحكومة وتنحي رئيس الوزاء المنتخب من قبل الشعب ويهمش الأغلبية القاطعة ويجعلهم أقلية متجاوزة ، بل كان خطابه في مظاهرات سامراء أكثر عداءاً عندما طلب من المتظاهرين الذهاب الى السلاح إذا لم تتحقق المطالب جميعها إن كانت شرعية أو غير شرعية والسيطرة على حرم العسكريين عليهم السلام بالرغم من تكفيرهم لمن يزورهم أو يعتقد بإمامتهم ، أما بقية القيادات فلم يكن خطاب رئيس البرلمان أكثر طائفية منهم ، وأما من يدّعي بأنه مستقل ويمثل الجناح العشائري الأصيل فلم يكن إلا أمعة يهدد الحكومة تارةً ويطلب الزحف الى بغداد تارةً أخرى بل وصل به الأمر الى تهديد جميع الموظفين الشيعة المتواجدين في الأنبار وطلب منهم أن يتركوا المنطقة الغربية ، علماً لم تخلوا أرض المنطقة الغربية من العقلاء والذين يملكون الإحساس الوطني ولكنهم ضعاف أمام المد الطائفي الذي ينتشر في تلك المنطقة لهذا نلاحظهم لايستطيعون فعل شيء بل يحاولون في الإصلاح وهذا خير ما يفعلون ، في المقابل فأن الجانب الحكومي وقادة التحالف الوطني قد أظهروا مرونة كبيرة مع المتظاهرين بالرغم من تجاوزاتهم على القانون والثوابت الوطنية ، وحاولوا تلبية أغلب مطالب المتظاهرين على الرغم من خطورة بعضها ولكنهم أدركوا اللعبة والمخطط الخطير الذي يريد تدمير العملية السياسية ، وبسبب هذه المرونة ومبدأ الإخوة والوطنية التي تنادي به الحكومة والتحالف الوطني فقد أستغل الوضع المتظاهرون وتمادوا بالطلبات والعدوان والتصريحات الغير مسؤولة ، فهذه المعاملة الأخوية التي تبديها الحكومة مع المتظاهرين والتحسس من عنوان الطائفية الذي قد تلصقه بها الفضائيات العربية وحكوماتها وقادة المكوّن السني، قد أعطى صورة معاكسة لها في عقول من يقف متظاهراً في الساحات وهو الضعف وعدم القدرة على فعل أي شيء وبالأحرى فأن الحكومة من الضعف لا تقدر أن تواجه من يكسر القانون أويتعدى على كرامة الإنسان العراقي أو يهدد أستقراره وأمنه وكذلك وحدته ، فهذه المواقف التي تتباين ما بين الحكومة العراقية والمتظاهرين وكذلك قيادات المكوّن السني قد جعل الإزمة أكثر تعقيداً وخطورةً ، لهذا يجب على الحكومة التعامل مع هذه المظاهرات بشكل قانوني وديمقراطي والذي يتعدى على هذين الشرطين يجب أن يواجه جزاءه القانوني ، وهذا ما تفعله جميع الدول المتقدمة في العالم وهو أساس نجاحها وأستقرارها أما التعامل بمرونة كبيرة بعيداً عن القانون والتخوف من التهم الطائفية سيدخل العراق وعمليته السياسية في وادي مظلم قد تكون نتائجه وخيمة على الجميع .
خضير العواد