إن القائمة العراقية بين فترة وأخرى تتحفنا بالغريب والعجيب عن طريق أحد أعضاءها ، ولكن تحفة اليوم ساقها إلينا أحد قادتها بل قادة العراق الجديد هو النجيفي رئيس البرلمان العراقي ، عندما ذهب الى قطر الخبائث والمخططات العدوانية لكل حضارة على أراضي العرب تحت عذر لايرتقي بمستوى رئيس برلمان دولة لها تاريخها ومكانتها العربية والعالمية ، لقد أصبحت العادة في هذه الأيام بأن الفضائيات تشد الرحال عندما تريد أن تعمل لقاء مع أي مسؤول حكومي وليس المسؤول هو الذي يوقف عمله وإلتزاماته ويذهب الى مقر الفضائية كما إدعى النجيفي وعطّل عمل البرلمان في إقرار ألموازنة التي يعتمد عليها الإقتصاد العراقي ، كل هذه الحركة وملابساتها لاتعنينا بشيء لأن الساحة العراقية وخصوصاً أعضاء القائمة العراقية قد عودونا على مثل هذه الأفعال المملوءة بعلامات الإستفهام ، ولكن تصريحات النجيفي من خلال لقاءه مع الجزيرة هي التي أثارة دهشتنا وتعجبنا التي أظهرت شيئين لا ثالث لهما أما هذا المسؤول ليس عنده أي معلومة تاريخية أو جغرافية عن العراق وكذلك يفتقد للمعلومات العامة التي تخص أهم الأحداث التي تهم شعبه وتنقلها جميع الفضائيات التي تهتم بقضايا العراق الحقيقية أو أن هذه الرجل طائفي الى حد النخاع ومن كثرت طائفيته فقد أعمت عقله وقلبه وبصيرته ولم يبقى عنده سوى الحس الطائفي الذي يتكلم به ، عندما يصرح بأغلبية سنة العرب في العراق ويعطي نسبة لهم تتراح ب ٥٢% ، عندما تسأل أي إنسان على هذه المعمورة اليوم إن كان في بلد متقدم أم متأخر في شرق أم غرب الكرة الأرضية أم في شمالها أم جنوبها مثقفاً كان أم غير مثقف متعلماً كان أم غير متعلم من هم الأغلبية في العراق فسوف يكون جوابه بدون أي تفكر أو تردد هم الشيعة ، وهذا الأمر أصبح شائعاً ومشهوراً عند بني البشر كافة وقد أثبتته نتائج جميع الإنتخابات التي حدثت بالعراق الجديد ، بالإضافة الى الأدلة التاريخية والجغرافية وكذلك الإعلامية ، فألتاريخ يخبرنا بأن إذا ذكر العراق يعني ذكرت شيعة علي (ع) وإذا ذكرت الشام يعني ذكرت شيعة معاوية ، فمنذ دخول العراق الى حاضنة الإسلام والعراق شيعي المعتقد ، ولكن لفترة قليلة وخصوصاً أيام معركة الجمل عام ٣٦ هجري أصبحت البصرة عثمانية الهوى ، ولكن بعد ذلك أصبح السواد الأعظم والشياع الأكبر حتى أصبح أسم العراق رديف لكلمة الشيعة والعكس صحيح اي إذا قلت أهل العراق أي قلت الشيعة وإذا قلت الشيعة أي أهل العراق ، وقد ذكرت جميع كتب التاريخ الإسلامي تشيع أهل العراق وقد أظهروا هذا التشيع من خلال ثوراتهم وإنتفاضاتهم ضد الحكومات الجائرة التي تسلطت عليهم من بدايات التاريخ الإسلامي الى زمن الطاغية صدام ، فلا يوجد كتاب يعتني بالتاريخ ويهمل هذه النقطة وحتى المتشددين والناصبين والطائفين لم يستطيعوا تغافلها أو إخفائفها بل في أسوء الأحوال لا يذكر الكاتب مذهبية هذا الشعب الموالي ، أما الجغرافية فقد ذكرت لنا مناطق تواجد الشعوب وأعطت أهم شرط لهذا التواجد هو المياه ، فهذا أهم العوامل التي يحتاجها الإنسان في حياته وحوله تتواجد التجمعات البشرية منذ بدأ الخليقة لحد الأن ، فقد ذكرت المصادر التاريخية وأيضا الجغرافية على أن الحضارة الإنسانية في وادي الرافدين تركزت في السهل الرسوبي الذي يبتدأ من بغداد الى البصرة ، أي الكثافة السكانية في العراق تتركز في هذه المنطقة من منذ بدأ التاريخ الإنساني الى اليوم ، فهذه المحافظات العراقية ذات الكثافة السكانية جميعها تنتشر في هذه المنطقة وأما المحافظات التي تنتشر في المنطقة الغربية وبسبب قساوة الحياة فيها لتصحر أراضيها فأنها تفتقر لتواجد الإنسان ماعدى محافظة نينوى التي يزيد عدد سكانها على المليونين أما بقية المحافظات الغربية كالرمادي وصلاح الدين فلا تزيد على ثلاث أرباع المليون أما ديالى فسكانها يعيش مناصفةً وعدده لا يتعدى المليون ، أما المناطق ذات الأغلبية الشيعية فتبتدأ من بغداد وعدد سكانها أكثر من سبعة ملايين ، مدينة الصدر وحدها أكثر من ثلاث ملايين أما البصرة فتفوق المليونين أما بقية المحافظات فكل واحدة منها لا تقل عن المليون بل أغلبها تزيد عليه بكثير وحتى المحافظات التي فيها أغلبية سنية كصلاح الدين وكذلك الموصل فأن فيها أقضية كبيرة ذات كثافة سكانية شيعية كبلد والدجيل وطوزخرماتو وتلعفر، فأي متطلع يريد معرفة هذه الحقيقة فعليه بأي كتاب للجغرافية إن كان مطبوعاً في زمن الطاغية أو في هذا الزمن فألأمر سواء وينظر الى محافظات العراق وعدد سكانها ، وقد أثبت الإعلام هذه الحقيقة وبطريقة ملموسة وواقعية وفيها دقة لا يمكن مجافاتها مهما كان الجهل أو العداء ، فزيارة الأربعين المليونية لم يمر عليها وقت طويل بل حدثت في تاريخ ٤-١-٢٠١٣ وكان عدد المشاركين فيها على أقل تقدير حوالي ثمانية عشر مليوناً وجميعهم طبعاً من الشيعة مع وجود بعض المحبين من المذاهب الإخرى وأهل الكتاب ، الذين شاركوا في هذه الزيارة كان عددهم هذا فأما الذين لم يشاركوا فكان عددهم على أقل تقدير حوالي ٥ مليون من جميع المدن الشيعية ، وهذا الحدث ذكره الإعلام العراقي وغير العراقي ولكن الظاهر السيد النجيفي لا يهتم بقضايا ومناسبات الشعب الذي يترأس برلمانه ، أي عدد سكان الشيعية في العراق حوالي ٢٣ مليوناً فإذا كان عدد سكان العراق إعتماداً على آخر تقادير حوالي ثلاثين مليوناً أي نسبة الشيعة في العراق تكون حوالي ٧٦% على أقل التقادير ، وهذه المعلومة لا يختلف عليها إثنان ولكن مخالفة السيد النجيفي لها لا تخرج من شيئين أما جهله بالتاريخ والجغرافية وعدم أهتمامه بأخبار شعبه أو تطرفه بالطائفية وعداءه للأغلبية الشيعية في العراق وهذه الطائفية أعمت قلبه كما أعمت بصيرته وبصره ولم يشاهد الملايين التي زارت أبا عبد الله (ع) ، وبهذا يكون مصداق الأية الكريمة قال الله سبحانه وتعالى (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ).
خضير العواد