وكان تقيا وعالما بالدين، سكن الكوفة ونشر العلم فيها وكان من العلماء التابعين، فأصبح إماما ومعلما لأهلها.
سبب خروجه مع عبد الرحمن بن الأشعث في ثورته على بني أمية،ذريعة
لملاحقته من قبل والي بني أمية في العراق الحجاج بن يوسف الثقفي.
وهذا الوالي من أخبث ولاة بني أمية ،ويتصف أيضا انه"حقود، حسود، كنود"، اضافة لمؤهلاته الاخرى التي تميز بها خلال فترة حكمه كوالي ،من "ظلم وبطش وتصفية وبغض وملاحقه".
.
بعد ان أفلح جلاوزة الحجاج في ملاحقته والقبض عليه البسوه القيود والحديد وساروا به ناحية واسط.
جن يهم الليل ، بمقربة من صومعة عليها راهب ، وقد حذرهم بعدم المبيت في العراء ، لكثرة الأسود التي تجول في المنطقة، ابى سعيد بن جبير ان يبيت معهم في الصومعة، رغم الالحاح الشديد عليه وتحذيره بخطورة المكان .الا انه أصر الا ان يبات خارجها ، لأن راهبها لايقر بنبوة النبي محمد (ص)،
تفاجأ الراهب وذهل ،عندما وقعت عيناه في الصباح الباكر على منظر جلوس سعيد بن جبير وسط حلقة من الأسود وهي تتودد منه وتهز ذيولها له تحببا وأمنا.
سألهم الراهب :
هل هو نبي .أم وصي نبي؟
قالوا: لا، إنه رجل تقي وفقيه زاهد، وعالم بالدين، وموالي لأهل البي (ع).
فلما مثل بين يدي الحجاج، دار بينهما هذا الحوار:
الحجاج: ما اسمك؟
سعيد: سعيد بن جبير.
الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.
سعيد: بل أمي كانت أعلم باسمي منك.
الحجاج: شقيتَ أنت، وشقيتْ أمك.
سعيد: الغيب يعلمه غيرك.
الحجاج: لأبدلنَّك بالدنيا نارًا تلظى.
سعيد: لو علمتُ أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهًا.
الحجاج: فما قولك في محمد.
سعيد: نبي الرحمة، وإمام الهدى، "صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين".
الحجاج: فما قولك في على بن أبي طالب، أهو في الجنة أم في النار؟
سعيد: لو دخلتها؛ فرأيت أهلها لعرفت.
الحجاج: فما قولك في الخلفاء؟
سعيد: لست عليهم بوكيل.
الحجاج: فأيهم أعجب إليك؟
سعيد: أرضاهم لخالقي.
الحجاج: فأيهم أرضى للخالق؟
سعيد: علم ذلك عنده.
الحجاج: أبيتَ أن تَصْدُقَنِي.
سعيد: إني لم أحب أن أكذبك.
الحجاج: فما بالك لم تضحك؟
سعيد: لم تستوِ القلوب وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار.
ثم أن الحجاج اتبع اسلوبا آخرمع سعيد بن جبير طريقًاآخر، لعله يزحزحه عن الحق، فأغراه بالمال والدنيا، وضع أموالا كثيرة بين يديه، فما كان من هذا الإمام الجليل إلا أن أعطى الحجاج درسًا قاسيًا.
فقال: إن كنت يا حجاج قد جمعت هذا المال لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت.
لقد أفهمه سعيدأن المال هو أعظم وسيلة لإصلاح الأعمال وصلاح الآخرة، إن جمعه صاحبه بطريق الحلال لاتـِّقاء فزع يوم القيامة..{يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}
[الشعراء:٨٨-٨٩].
ومرة أخرى تفشل محاولات الحجاج لإغراء سعيد، فهو ليس من عبادالدنيا ولا ممن يبيعون دينهم بدنياهم.
وبدأ الحجاج يهدد سعيدًا بالقضاء عليه، ودار هذا المشهد بينهما:
الحجاج: ويلك يا سعيد!
سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار.
الحجاج: أي قتلة تريد أن أقتلك؟
سعيد: اختر لنفسك يا حجاج، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك قتلة في الآخرة.
الحجاج: أتريد أن أعفو عنك؟
سعيد: إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عُذر.
الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه.
فلما خرجوا ليقتلوه، بكي ابنه لما رآه في هذا الموقف، فنظر إليه سعيد وقال له:
ما يبكيك؟
مابقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة؟
وبكي أيضًا صديق له، فقال له سعيد:
ما يبكيك؟
الرجل: لما أصابك.
سعيد:فلا تبك، كان في علم الله أن يكون هذا، ثم تلا:
{ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها}
[الحديد:٢٢]
ثم ضحك سعيد، فتعجب الناس وأخبروا الحجاج،
فأمر بردِّه،
فسأله الحجاج:
ما أضحكك؟
سعيد: عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك.
الحجاج: اقتلوه.
سعيد: {وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين}
[الأنعام: ٧٩].
ا
لحجاج: وجهوه لغير القبلة. سعيد: {فأينما تولوا فثم وجه الله}
[البقرة: ١١٥].
الحجاج: كبوه على وجهه.
سعيد: {منها خلقناكم وفيهانعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى}
[طه: ٥٥].
الحجاج: اذبحوه.
سعيد: أما أنا فأشهد أن لاإله إلا الله نجد لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، خذها مني يا حجاج حتى تلقاني بها يوم القيامة، ثم دعا سعيد ربه فقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.
مات سعيد شهيدًا في ١١ رمضان ٩٥ هـ الموافق٧١٤م ، وله من العمر تسع وخمسون سنة، مات ولسانه رطب بذكر الله.
يوجد مرقد سعيد بن جبير بواسط في العراق شرق مدينة الحي، ويزار من قبل الناس.
ووُلِدَ في زمن خلافة الإمام على بن أبي طالب (ع).
علي الحاج