ومهما يكن من أمر.. فإن نزاهة الانتخابات شرط لصحتها وركيزة لقبولها شعبيا بل وحتى دافعا أساسيا في حث الناس للمشاركة في هذه الممارسة التي يفترض ان تكون ديمقراطية خالية من أي وجه من أوجه التزوير او عمليات شراء الأصوات او شراء الذمم او التاثير على قطعات بعينها من اجل حصد اصواتها لصالح جهة ما.
ويحذر بعض خبراء مراقبة الانتخابات بانه وبالإضافة الى احتمالات حصد أصوات الفئات الخاصة خلال عمليات التصويت الخاص سواء لعناصر القوات الأمنية والعسكريين او الموظفين او غيرهم.. فإن هناك وسائل كثيرة متعددة للتزوير لم ينفك هؤلاء الخبراء من التحذير منها، داعين الى نشر ثقافة كشف أوجه التزوير او عمليات التأثير على آراء الناخبين بغية الحيلولة دون تجيير أصواتهم وحصدها لصالح فئة دون أخرى... او لمرشح دون آخر.
ومؤكد بان اية عمليات تزوير تعني فيما تعنيه سلب شرعية النظام الديمقراطي ومؤسساته، وبالتالي إنحراف التجربة الديمقراطية برمتها، الامر الذي يمهد لعودة أساليب الحكم الطغيانية والعودة الى أنماط الحكم الشمولية مرة أخرى وإن كان عبر استخدام الممارسات الديمقراطية وتحت مظلتها.
كما أن التزوير يشير الى استمرار تفاقم الصراع السياسي القائم بين فرقاء العملية السياسية الذين تحاول كل فئة او مكون او وجود سياسي منهم الوصول الى السلطة لأغراض قد لا تكون ضمن اطار الصالح العام.
من هنا فالخبراء والمعنيون بأمر نزاهة الانتخابات وهيئات مراقبتها يؤكدون على الناخبين ضرورة التنبه للعديد من الحالات التي من الممكن ان تستخدم لتمرير عمليات تزوير على صعيد بطاقات الاقتراع، حيث في مقدمة تلك الحالات هو التدخل المباشر من قبل الافراد الذين يتولون مهام مساعدة الناخبين في ملء ورقة الاقتراع حيث يعمدون الى جعل الناخب الجاهل يصوت لفرد او قائمة معنية وهو لا يدري بأن هذا الفعل هو سرقة لصوته ومخالفة قانونية تستحق المقاضاة.
الامر الآخر، ان هناك عناصر مكلفة بتهيئة بطاقات اقتراع إضافية مؤشرة وجاهزة لتزلق خلسة داخل صناديق الاقتراع بعد استبدالها بالبطاقات التي يؤشرها الناخبون بالفعل.
ومن وسائل التزوير أيضا التي حذر منها خبراء ومراقبو الانتخابات استخدام بطاقات الاقتراع الفائضة التي تتوفر بسبب تضاؤل الاقبال على صناديق التصويت.. حيث يجري نوع من التواطؤ بين المراقبين أنفسهم للقيام بعمليات تزوير متقابلة، وقد يكون التزوير المتقابل من اقل أنواع التزوير خطورة لأنه قد ينتج زيادات متساوية في الأصوات للكتل المشاركة في مركز انتخابي واحد.
ومما يثير قلق الخبراء ومراقبي الانتخابات في الغالب هو استثمار اللحظات الأخيرة اثناء تمديد الوقت بنهاية اليوم الانتخابي حيث تكون المراكز الانتخابية خالية من الناخبين في أكثر الأحيان حيث تستغل الجهات التي تريد التزوير تلك الساعات خصوصا مع تسيد مظاهر التعب والارهاق التي تنتاب المراقبين ما يشكل فرصة لتمرير حالات تزوير معينة.
وما يلفت اليه خبراء الانتخابات ومراقبي نزاهة الانتخابات هو ضرورة مراقبة عمليات نقل صناديق الاقتراع من مكان لآخر لأجل الفرز، حيث تكون تلك المراحل فرصة مثلى للتزوير عبر استخدام بطاقات اقتراع مضافة او بديلة.
ولعل من أساليب التزوير الشائعة ايضا في مراكز الانتخابات هي تعمد بعض المراقبين او موظفي المركز الانتخابي الى إبطال بطاقات الخصم عن طريق إضافة إشارات وكتابات على بطاقات الاقتراع المستهدفة، الامر الذي يحدث خلافا في بطاقة الاقترع وتغدو مخالفة للتعليمات وبالتالي تعتبر تلك البطاقات ساقطة وباطلة.
وفي جانب آخر اثبتت تجارب الانتخابات في بلدان عدة ان واحدة من وسائل التزوير هو اعتماد (بطاقة الاقتراع الدوارة) خلال عملية التزوير.. حيث يصار الى بطاقة اقتراع خالية يتم تداولها بيد أكثر من ناخب بتوجيه من المشرف الانتخابي في المركز، حيث يتسلمها من المقترع وإعادة إعطائها الى مقترع آخر دون ان يلحظ أحد، في حين يتم إعطاء الناخب بطاقة اقتراع جديدة جاهزة ومؤشرة ليضعها في صندوق التصويت وفي أحيان يكون بعلم المقترع مقابل مبلغ مالي يمنحه المشرف الانتخابي مباشرة.
على اية حال، أوجه التزوير الأخرى عديدة ومتنوعة بينها عملية اجبار الناخبين بصورة مباشرة على التصويت لقائمة معينة او مرشح محدد عن طريق تهديد الناخبين او تخويفهم او تهديدهم بقطع مصادر ارزاقهم او التضييق عليهم في أماكن عملهم، وفي الغالب تستخدم تلك الوسائل مع الفئات الخاصة التي تصوت ضمن نمط التصويت الخاص الذي يجري قبل موعد الاقتراع الشامل. ناهيك عن عمليات شراء الأصوات المسبقة التي يقوم بها المرشحون او من يمثلهم بتوزيع الأموال مباشرة او الهدايا واخذ تعهدات شفوية من الناخبين الذين يبيعون أصواتهم بالتصويت للجهة الفلانية او المرشح الفلاني لقاء أموال او وعود او بتأثير وجاهة عشائرية او قبلية او عائلية او قيادية.
وبذا فتثقيف المواطنين على مخاطر عمليات التزوير في الانتخابات يجب ان تتولاه مؤسسات النزاهة المعنية ومفوضية الانتخابات ووسائل الاعلام النزيهة في ضرورة شرح أساليب التزوير المتبعة في التجارب الانتخابية السابقة والتحذير من خطورتها كونها تشكل تغييرا متعمدا لخارطة صدقية الديمقراطية الفتية في البلاد... كما ويعد التزوير تعزيزاً لاوجه الفساد الإداري، فضلا عن كونه سرقة في وضح النهار لآراء الناخبين ومصادرة لأصواتهم الانتخابية، الامر الذي يستدعي جهودا إعلامية وتبليغية وتثقيفية مكثفة في التنبيه على خطورة التزوير في الانتخابات بجميع اوجهها. كما يتحتم التأكيد على قدسية الانتخابات كونها بوابة تفضي الى بحبوحة الديمقراطية الحقة حيث يجب ان يتموضع الرجل المناسب في المكان المناسب بما يجلب المنفعة للصالح العام وهو الهدف الرئيس من تشريع الانتخابات.