ونخشى أن تستحيل عصا الفرقة، إلى ثعبان مبين، أو تجعل من المكون الديني الشيعي فرقا كالطود العظيم،أو يصبح أهلها "وخازين جبارين" على أنفسهم وبني جلدتهم.
غير اننا نرى ان الانشطار والتجاذب مازال قائما بين المكونات السياسية والدينية، بوجود حبل متهالك، والجماهير ستقول كلمة الفصل إذا كانت الإنتخابات شفافة ونزيهة.
التلميح بالانشطار والتجاذب والتقسيم سيطال المؤسسة الدينية هذه المرة أيضا، وفي هذه المرة سيكون المثلث المحوري لاعبا اساسيا في هذه اللعبة، فقد انتقلت حمى الصراع إلى داخل إطار حدوده، وبين ثنايا محاوره الثلاث "الدين والمال والاعلام".
كان الأحرى بالعراقيين إن يتهيأوا لملاقاة زحوف القاعدة والمرتزقة والجند المجندة القادمة من عبر الحدود من العرب وغير العرب- لنقل معركة كبرى داخل العراق على غرار معركة الشام الكبرى، وان ينتبهوا جيدا لقاعدة الانطلاق القطرية التي تمول هذه الجبهة بالمرتزقة القادمين لهذه القاعدة ليتحشدوا في تركيا- لاليتصارعوا ويتحايفوا فيما بينهم، واعدائهم محيطة بهم من كل جانب دون ظهور حلا بارزا في الأفق للمشكلة السورية، والتي إذا استمرت وحسمت لصالح القاعدة فالمشكلة ستصير عراقية وهذا ما يخطط له أعداء العراق وأعداء المكون الشيعي بالذات.
نحن في هذه المرحلة علينا ان نلتف حول أنفسنا ومعنا المثلث المحوري لتحاشي هجمة الحلفاء الكونية ضد سوريا ومن بعده العراق وجنوب لبنان ومن ثم إيران.
التداعيات السياسية للأزمة التي تحاول تعديل الخريطة السياسية للمنطقة حاضرة بقوة داخل البلد وخارجه، ولايمكن لهذه التداعيات إن تضمحل أو تتداعى بآراء ملائية لاتمتلك الحد الادنى من الخبرة والحنكة السياسية.
وهناك ايضا مصالح أمريكية تركية اسرائيلية، وعربية عقائدية مذهبية في المنطقة، تؤازرها في ذلك دول المنطقة المعروفة بعدائها للهلال الشيعي، وتريد تركيا ان تكون اللاعب الأهم في المنطقة، وعليه فإن مايسمى بالثورة السورية إذا مافشلت في مايسمى بربيعها السوري، فإن تركيا تقوم بلعب أوراق أخرى كورقة البرنامج النووي الايراني وورقة الكورد وأثارة النزعة الطائفية في العراق والمنطقة، وورقة الصادرات النفطية وورقة أخرى وهي الأهم ان تقوم تركيا بتبني تفجيرات داخل الأراضي التركية وخارج حدودها في العراق تلقي بمسؤوليتها على الجانبين الايراني والعراقي، الأمر الذي يتطلب منا في الظرف الحالي، الالتفاف حول قائد سياسي ومؤازرته لمواجهة الظروف والسلبيات، وترك الأمور الخلافية الداخلية على عواهلها في الوقت الحاضر، من أجل المصلحة العليا للبلاد، وترك القرار النهائي بشأن من سيسيس الحكومة، هو ماتبشر به وتفرزه صناديق الاقتراع في الدورة البرلمانية اللاحقة.
(مؤتمر هرتزيليا الثالث عشر يعد أهم المؤتمرات التي تصنع استراتيجية اسرائيل. أصدر المؤتمر في نهاية فعالياته نهاية آذار الماضي تقريرا يتضمن رسم الخطوط العريضة للحكومة الاسرائيلية، إلى ضرورة تكريس الصراع السني-الشيعي من خلال السعي في تشكيل محور سني من دول المنطقة أساسه دول الخليج، ومصر وتركيا والأردن، ليكون حليفا لإسرائيل والولايات المتحدة، في مقابل "محور الشر" الذي تقوده إيران، الذي سيكون بحسب التقسيم الاسرائيلي ، محورا للشيعة.
وبمثل مؤتمر هرتزيليا مايمكن أن نسميه ب"عقل اسرائيل" حيث تشارك فيه جميع النخب الاسرئيلية في الحكم وفي المعارضة.
وفي الشأن السوري، خلص المؤتمر إلى أن "سوريا هي المحور الاستراتيجي الأهم في هذه الأيام"وأكد المؤتمر أن "انهيار سوريا سيؤثر على السلامة الأقليمية للبنان والعراق أن لم يكن أكثر من ذلك")
نحن كلما تتلاطم الامواج وتحتلك العتمة، والتي ماشأنهما اغراق السفينة وابتلاعها ومن فيها، ومن ثم يقوم القراصنة بوضع الحبل في عنق "النوخذة" فبدلا من ان نتلاحم معه لتخليصه من الموت والإقصاء، نقوم بالضغط على قدميه وجره نحو الأسفل ليزداد عزم شد حبل المشنقة حول رقبته وتسريع موته، وبالتالي تسريع غرق السفينة ومن فيها.
تبقى المشكلة الأهم في العراق، هي مشكلة الاختلاف والتلون الفسيفسائي، وهذه ليست بمشكلة على الاطلاق، ولكن من جعل منها مشكلة هي الأجندة الخارجية التي استطاعت ان تستقطب من يؤججها بين الحين والآخر من الفاشلين سياسيا والمتأزمين اجتماعيا في هذا البلد.
فالاختلاف وارد في جميع الدول والملل، فسرورنا أن تختفلوا، من أجل الاختيار الأمثل لهذا البلد.
والتنوع والاختلاف مبدأ سماوي، وظاهرة طبيعية اوجدها البارئ سبحانه، في كل شئ برأه وانجز خلقه فيه، فضلا عن كونه قانون طبيعي أقرته القوانين والانظمة والنواميس الوضعية المختلفة.
فخلق سبحانه الالوان وهي متنوعة ولو شاء لجعلها لون واحد، وكذا في خلقه للإنسان وسائر الحيوان والنبات والمخلوقات .
وكذلك الأمم والشعوب والقبائل والأفراد كلها متنوعة ومختلفة في اللون والخلقة والطباع، وقدر لها أقواتها، واودع فيها جيناتها للحفاظ علي أجناسها وطباعها وخصائصها.
وخلق كل شئ في قدر من سماوات وأراض وشموس وأقمار ونجوم ومجرات، وكلها مختلفة في الحجم والعمر والاداء، في نظام دقيق يفوق إدراك وتصور العقل.
كما وخلق جميع الالسن واللغات وهي أيضا مختلفة في النطق واللفظ والمعنى والكتابة والبيان.
وانزل الرسل والكتب والرسالات وجعلها مختلفة ومذاهبها متنوعة فهذا دين اسلامي، وذاك دين مسيحي أو يهودي.
.......ترى لماذا نحن في العراق نستهجن على أنفسنا هذا الاختلاف ونستهين به ونرفض الآخر أحيانا بسبب التنوع العرقي واللوني والمذهبي والاثني، وكلما تزداد تفاعلية الاستهجان والرفض، كلما زادت حالة الصراع والاقتتال الطائفي بشكل طردي، وأحيانا لايتوقف عند حد معين إلا بإجراء حالتي الفصل والتقسيم أو التجزئة.
لالسبب، ولالشئ، إلا ان نكون شيئا واحدا، وقالبا مستنسخا، ناسين بذلك حكمة الله سبحانه وتعالى.....انه لو شاء لجعلنا أمة واحدة، أو اممم واحدة، بلون واحد ولسان واحد ودين واحد، وهو القادر على كل شئ،إنما إذا قال للشئ كن فيكون.
فالاختلاف كما يقال: "لايفقد في الود قضية"، وهو الذي يحدد هوية وطباع الناس، ويحدد طبقات المجتمع إلى شعوب وقبائل، على أن لايكون هذا التحديد والتنوع على حساب الايمان والسلوك والتعايش السلمي.
لكن في الاختلاف لله فيه حكمة لا يعلمها الا هو، ليميز الخبيث من الطيب.
علي الحاج