فيوميا نصبح -ويصبح الملك لله- وأيدينا على قلوبنا، ونسبنفط على أصوات التفجيرات وعلى أصوات السيارات المفخخة- وعلى أنباء "عاجل عاجل" و"وردنا توا"- التي تحصد عشرات ومئات الأرواح البريئة وتقتل الناس العزل الآمنين في ديارهم وفي وطنهم بدم بارد وبدم "حار"، والحمد لله على ان ليس للعراق من شبكة قطارات متطورة فوق الأرض "ومترو" تحت الأرض، وإلا فالأمر سيكون اكثر بشاعة واكثر قسوة، أو يكون حجم الضحايا على شاكلة "الله أعلم".
لانقاذ العراق من الانهيار والدمار ودماء أبناءه من الهدر، وامواله من الضياع والسرف، ولأجل اشاعة وتحري الأمن الوطني والشخصي والإنساني، علينا ان نسلك ونتتبع مبدأ آخر الدواء "الكي"، لأن جميع الحلول باءت وتبوء بالفشل لأنها لاتتحرى المصلحة العامة الحقيقية، ولا تتبنى تغليب مصلحة الشعب على المصالح الخاصة، بل تغليب المصالح الشخصية والحيزية الضيقة لفئة مستفيدة من الناس، وان جميع الوعود التي أطلقت اخذت طابع النصب والاحتيال إثناء فترات تمهيد المبشرين والتي لاتغني من خوف ولاتشبع من جوع.
وإذا اردنا ان نسلك سبل الخلاص للوصول إلى هذه الخطة لتحري سبل الأمان والحفاظ على دمائنا من الهدر، يتوجب علينا ان نضحي بالعملية السياسية الائتلافية الحالية الفاشلة وبالديموقراطية المتمردة وبالحرية الانفلاتية، هي العمل بالأحكام العرقية وتطبيق خطة طوارئ لفترة محدودة يتم وضعها واعدادها من قبل رئاسة الوزراء، مصحوبة باجراء انتخابات مبكرة عقب فترة إنحسارها، وحل البرلمان والحكومة الحالية بمجرد البدء بتطبيقها- والتي سيؤول أمر أدارة الدولة خلالها إلى الحكومة الحالية، ولكن حكومة تصريف أعمال- فإن نجحت ف"بها وخير" وإن فشلت فهناك حلول أخرى كفيلة لإخراجنا من هذا المأزق والخلاص من نوبات الأزمات والمحن.
والخطة الاخرى، فهي: "اما سلوك بمعروف أو تسريح باحسان" بمعنى إما ان يكون بلد آمن وموحد تحت علم واحد ودستور واحد وقانون محترم واحد وفوق رؤوس الجميع، ومطبق على الجميع والإنسان فيه قيمة عليا، أو اللجوء إلى خيارات أخرى منها الانفصال أو العمل بنظام الاقاليم، أو انتظار الشعب ليقول كلمته في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
اما الانفصال فهو من اكثر الأساليب سوءا وايلاما وخسارة من ناحية الأنفس والأموال ومن النواحي الاعتبارية الاخرى، لأنه لايتم عن توافق، ولايتحقق الا أن يكون مسبوقا بسلسلة نزاعات مسلحة وحروب أهلية وفترة نقاهة طويلة.
واما خيار الاقاليم فهو الخيار الأنجع والأصلح والاسلم لجميع مكونات الشعب والقوى السياسية المتناكفة -والذي لو طبق في حينه بنصيحة عزيز العراق "قدس سره الشريف"، لكنا قد قطعنا شوطا كبيرا من الرقي والاستقرار والازدهار والقضاء على ظاهرة الفساد- وهو اجراء مكفول دستوريا-أي نظام الاقاليم- وكفيل لحفن دماء العراقيين وتطوير البلاد على غرار اقليم كردستان - الذي يسعى جاهدا للأنفصال، ولا ينفصل الا ومعه كركوك وثلث نفط العراق، وماتطور الأزمة العراقية إلى شتى المنحدرات الا عبارة عن عملية تسريع وضمان لهذا المبدأ والمطلب الكردي الأزلي-.
الصراع في العراق، صراع معقد ومركب، وخليط من أشياء فسيفسائية عديدة من السياسة والدين والمجتمع والثقافة والتراث والتاريخ، الأمر الذي جعل بغداد -الدولة والحكومة- تتعرض لمؤامرة خطيرة، ومساومات حقيرة، تبعا لتركيبة الصراع المتعلقة بتنفيذ الأجندة الخارجية ونظرية المؤامرة، والمخاوف تحيط ببغداد من كل الجهات بسبب اختلاط الأوراق وغموض المواقف، وتدني الأخلاق بسبب تفشي ظاهرة العهر السياسي وهيمنة سلطة الجريمة المعلنة في الأوساط الشعبية والمستترة في الكوادر السياسية، وبسبب الشرف السياسي الرفيع الذي يتمتع به السيد المالكي، وبسبب استعمال الآليات والأدوات المتخلفة والغير مخلصة في ادارة الحكومة، وإن القضية تزداد تفاقما وسوءا كلما تقدم المالكي باتجاه هذا السلوك "الإنساني" والمتردد في معالجة القضايا الساخنة وفق القانون والصلاحيات الممنوحة له، وسيضيق عنق الزجاجة عليه وعلى مؤيديه وشعبه الذي انتخبه اكثر واكثر ويوما بعد آخر.
ان الدعوات التي تطالب بدعوة الحكومة إلى الاستقالة في الوقت الحاضر، وتحاكي الشعب بطريقة الايحاء للضغط عليها بالاستقالة ماهي الا خطوة اولى من مقدمات التآمر على بغداد الحكومة.
ولمكافحة هذه الدعوة ان تبقى الحكومة مصرة على الاستمرار بممارسة واجباتها الدستورية على أكمل وجه، وتبقى على الساحة كحكومة وطنية منتخبة تدير دفة الحكم التنفيذي ولحين انتهاء الدورة الانتخابية الحالية، هذا أولا، وثانيا ان تكافح تلك الدعوة بأن تبقى هي نفسها كحكومة تصريف أعمال في حال اتفق على حل البرلمان والدعوة لاجراء انتخابات مبكرة.
الحق والحق نقول: لو ان الحكومة المنتخبة الحالية، لو أنها حكومة أغلبية لآلت الأمور لمآل على غير المآل الذي آلت عليه الآن.
ونشهد انها حافظت على شرفها السياسي واداء أمانتها من خلال رفضها لمفاوضات مدينة كركوك، ولو كان على رأسها غير السيد المالكي، للعب لعبته الانتهازية وباع كركوك ونفطها وأدخل السنة والاكراد في دوامة قتال لاتنتهي إلا ويكون عدد الموتى يفوق عدد الاحياء.
ختاما ونقول: جميعنا نعترف ان التجربة السياسية أصابها الوهن والهزال بسبب المحاصصة الطائفية المقيتة وان جميع السياسيين قد اعلنوا عجزهم من تفادي الأزمة السياسية التي عصفت بالبلد والتي راح ضحيتها عشرات الشهداء، ولكن الشئ المسلم به دائما أن الحياة لاتدب إلا بدماء الشهداء إذا استوطن بأهلهم الظلم والجور وحلت بهم الفتن، ولكن ليست جميع دماء الشهداء هي على وتيرة واحدة، فكل حالة استشهاد تحمل معان تختلف عن نظيراتها من حالات الاستشهاد الاخرى، وكل واحدة لها لون خاص بها وتعالج ظرفا تتميز فيه عن نظائره من الظروف الاخرى، فعلى سبيل المثال أن دم الشهداء الخمسة -الذين قتلوا غدرا بأبشع الطرق- من الجيش العراقي، كان بمثابة حلقة عملاقة مكملة لحلقات سلسلة قوافل شهداء العراق المغدورين في التفجيرات والذبح على الطريقة الاموية، والقتل على الهوية، وشهداء الانتفاضة والمقابر الجماعية.
وقد استطاعت هذه الحلقة قلب أغلب الموازين السياسية والأنسانية والأخلاقية على مختلف الصعد، وعلى الصعيدين الوطني والعالمي، وتغيير معظم المعادلات الغير متوازنة إلى الوضع المتوازن، وأنعشت العملية السياسية، وإعادت للحكومة رد اعتبارها وكشفت نوايا أعدائها،
وانجزت مالايستطيع انجازه أعظم السياسيين في تصحيح المسار العام، من خلال إزالة الضبابية المحيطة به، وفي وقت قصير جدا.
وهذا النموذج من الشهداء جاء بظرف قد يختلف عن كل الظروف التي مر بها العراق، والقافلة مازالت تسير وأمرنا وأمرهم إلى الله الواحد القهار.
فهنيئا لهم الشهادة وهنيئا لهم الجنة.
"إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم واموالهم بأن لهم الجنة"