فقد نقلت الانباء ان مجموعة مؤيدة للبعث ولصدام دخلت قاعة الحفل واتخذت من المقاعد الخلفية مكانا لها محاولة ارباك الحفل حيث انطلقوا بمقاطعة كلمة السفير العراقي لمناسبة يوم المقابر الجماعية وهددوا حمايات السفارة وشرعوا بالهتاف بالشعار السيء الصيت (بالروح بالدم نفديك ياصدام).. وحينها اندلع شجار بين تلك الشرذمة من الشخصيات الاردنية التي كان من ضمنها محامي المقبور صدام وبين عناصر حماية السفير حتى احتدم الشجار واشتد بين الجانبين، حيث قامت تلك الشرذمة من الشخصيات الأردنية باتهام العراقيين اجمع بانهم أبناء زنا وانهم (أبناء المتعة) وانهم صفيون إيرانيون رغم انهم ضيوف في داخل السفارة العراقية التي يفترض انها مصونة من قبل السلطات الأردنية.. كما رددت عناصر من تلك المجموعة شعارات ضد السفير العراقي من أمثال (يا سفير يا جبان لازم تطلع من عمان ..اطلع بره على إيران)، ومثل (يا مالكي يا جبان ودي كلابك على إيران) ومثل هذه الشعارات الطائفية التصعيدية كثير. والمستغرب سماح السلطات الأردنية بخروج تظاهرة مساء الاثنين تطالب بطرد السفير وموظفي السفارة لانهم قاموا بالدفاع عن انفسهم ضد هجمة غوغاء الشخصيات الأردنية الصدامية التي شاركت في حفل السفارة العراقية.
صحيح إننا نحن بحاجة لتوطيد علاقاتنا مع جميع بلدان الجوار والإقليمي والعالم أجمع، وان سياستنا تعمد لتنفيس جميع سياسات التوتر والشد والجذب والحيلة والغدر التي كان يتبعها نظام صدام البائد..حيث ما عـُـدنا بحاجةٍ لها بتاتاً، وصحيح ان منهجنا هو تجسير العلاقات مع الجميع وتحكيم الدبلوماسية مع المحيط الجار والإقليمي.. ولكن شريطة الحفاظ على المصالح المشتركة وتقديم مصلحة البلاد ومنافع الشعب بالمقام الأول وصون سيادة الدولة وحفظ هيبتها وحفظ ممثلياتها الدبلوماسية في الخارج التي تمثل سيادة العراق وكرامته.
والامر الآخر الملفت انه وبعد عشرة أعوام من سقوط الطاغية صدام مازال العراقيون لايستطيعون ان يعبروا عن مظلوميتهم التي شهد بها القاصي والداني في العالم بعدما ارتكب الطاغية صدام ابشع الجرائم بحق العراقيين وسامهم الخسف والهوان وملأ ارضهم بالمقابر الجماعية... فبعد اكثر من عقد على زوال الطاغية مازالت حتى البعثات الدبلوماسية العراقية لا تستطيع التصريح في البلدان العربية بمظلومية الشعب العراقي.
وطبيعي إن هيبة الدولة العراقية تفرض على القرار السياسي والدبلوماسي ان يتخذوا إجراءات يعتد بها تطالب الأردن بمسائلة ومقاضاة من اعتدوا على السفير العراقي بعمان.. والتحذير باتخاذ إجراءات اكثر حزما في المستقبل اذا ما استمرت تلك التطاولات بحق الدبلوماسيين العراقيين وبحق الجالية العراقية اجمع هناك.
والتساؤل القائم عند معظم العراقيين.. ترى ما هي الدوافع التي تحمل الحكومة العراقية على الاستمرار بتقديم العون والمساعدة للاردن وضخ النفط اليهم بأسعار اقل ما يمكن ان توصف تفضيلية ان لم نقل رمزية.. وما هي الدوافع التي تلجم العراقيين من ان يتخذوا إجراءات تحد من عنجهية بعض المتنفذين الأردنيين حيال البعثة الدبلوماسية العراقية التي يفترض ان تحترم وتصان.
نفطنا لهم بأسعار بخسة.. واهانتهم لنا بالمجان..
ولعل الامر الذي يثير استغراب غالبية العراقيين ويخلف عندهم غصةً خانقة هو ذاك الحجمَ المهولَ لملايين الملايين من البراميل النفطية التي عبرت وتعبر الحدود العراقية الى الأردن بأسعارٍ (رمزية) وبصورةٍ شبه مجانية لأكثر من ثلاثة عقود وحتى اليوم.. والتي إبتدأت منذ وقوف ملك الأردن السابق مع صدام طيلة حربه ضد إيران، واستمر الحال على هذا المنوال الى أعوام مديدة وحتى بعد سقوط النظام البائد، حيث بقيت بغداد تقدم النفط العراقي وبكمياتٍ كبيرة الى الأردن وبذات الاسعار (شبه المجانية) لحين جرى تغييرها بشكل طفيف من قبل الحكومة (رفعاً للعتب) لتنتقل الأسعارُ من صفة (شبه مجانية) الى صفة )أسعار تفضيلية).
ولسنا في وارد تأليب الرأي على أي من الدول او الجيران، ولكننا في وارد الحفاظ والدفاع عن مصالح الشعب وحقه بثرواته النفطية والغازية، فمن حق العراق وكما فعل المصريون قبل عامين حين رفعوا أسعار نفطهم المباع الى الأردن.. كذلك فمن حق العراق ان يكف عن بيع نفطه بأسعار (تفضيلية) او (مخفضة) بشدة، نظراً لإنعدام المبررات المنطقية لذلك الإجراء.
كما ان من اللازم على ذوي القرار الاقتصادي والنفطي في البلاد ان ينظروا وفقاً وطبقاً للجدوى الإقتصادية من وراء كل الإتفاقيات النفطية مع الأردن وغير الأردن.. لا سيما تلك التي تتضمن أسعاراً تفضيلية او إستثنائية او مخفضة الى اخر قائمة (البخس بحقوق الشعب العراقي). كما وينبغي على جميع المعنيين وذوي الرأي في القرار النفطي والسياسي ان لا يمرّروا أية إتفاقيات او عقود نفطية مع أي من بلدان العالم دون أن تحظى بموافقة الشعب بصفته صاحب الثروات ودون أن يكون هناك أي مجال للمحاباة او الإستثناء او التفضيل في أمر الاسعار النفطية.
وليس بخاف أن خبراء نفطيين عراقيين كانوا على الدوام يشددون على ضرورة إجراء مراجعة شاملة للإسعار التفضيلية او الإستثنائية التي تحصل بموجبها بعض البلدان على نفطنا، وإخضاع الجميع الى ذات التسعيرة التي يبيع بها العراق نفطه وفق أسعار البورصات النفطية ومحددات أوبك. وكفانا صفقات نفطية بأسعارٍ (تفضيلية) أو (إستثنائية) لكل من هبّ ودبّ.. وكفانا توزيعاً لنفطنا كـ(هبات) مجانية أو شبه مجانية، ولنتعلم من الآخرين كيف يحافظوا على ثرواتهم الوطنية.. وكفانا تبديدا لهذه الثروة التي هي ليست دائمة.. والطامة انها تتم تحت ذرائع واهية لسواد عيوان هذا.. و(مواقف!) ذاك.. وربما ستغير (تأثيرات) التغيير العربي من قناعاتنا .. ولكن بعد ضياع الكثير من أموالنا..
على اية حال.. يتساءل العراقيون .. ما الذي يمنع المسؤولين العراقيين من المسارعة لرفع الحيف الإقتصادي الذي لحق ويُلحق بالبلاد كل يوم جراء الهدر (الملياري) لبراميله النفطية التي ذهبت وتذهب باستمرار الى الأردن بصورة مجانية لعقود ولقرابة عقدٍ آخر بأسعار (تفضيلية)؟.
ثم ماهي المبررات المنطقية لذلك (الإستثناء)، وما هي (الجدوى الإقتصادي) او (الإعتبارية) وراء تفضيل الأردن بأسعار (تفضيلية)، وما الذي قدمته الأردن للعراق طيلة تلك العقود المنصرمة والعقد الأخير؟ وهل ممارسات (ايتام صدام ومحبيه في الأردن) حافز لنا للاستمرار في اذلال العراقيين كما حدث في سفارتنا في الأردن قبل أيام.
عموماً لسنا هنا في وارد فتح ملفات مع الجارة الأردن كملفات (أمنية) او ملفات (رعاية إرهابيين) أو (تهيئة ملاذات آمنة) لقطعان ما يسمى بـ(الانتحاريين) الذين كانوا وما زالوا يفتكون بآلاف العراقيين طيلة اعوام مديدة وحتى اليوم..او (رعاية وإيواء رموز دموية من النظام السابق).. او رعاية رموز إرهابية كالمقبور الزرقاوي وغيره.. ولكننا هنا بصدد إثارة المزيد من التساؤلات بشأن الخصيصة التي يعامل بها العراق الأردن.. فلطالما امتنعت عمان عن تسديد حتى اثمان النفط الذي يبيعه العراق لها بأسعار تفضيلية بخسة.. تحت ذرائع عدم حسم ملف الديون على بغداد في مرات سالفة..
ويعد كثير من العراقيين هذه المحابة في الأسعار النفطية للأردن واقع مزرٍ وإستغفالٍ واضحٍ بالموازين التجارية والتعاقدات النفطية بين البلدين.. الامر الذي يتطلب وقفة مسائلة ومراجعة من قبل المعنيين العراقيين بالملف النفطي لتبيان ومراجعة طبيعة وحقيقة تلك الخصيصة التفضيلية التي تخص بها بغداد عمان في موضوعة النفط.
الملفت أيضا ان التجاوزات الشعبية والنخبوية الأردنية على العراقيين في الأردن في تنامٍ وتفاقم.. ناهيك عن الدعم والمساندة الشعبية الأردنية للإرهابيين الذين يفتكون بالابرياء في المدن العراقية.. في حين نجد ردودَ الفعل الرسمية العراقية متبرقعة بالخجل، يتجاذبها الإستحياء.. وكأننا نحن الذين نترضُعُ النفط الاردني بإسعارٍ (مجانية) و(تفضيلية) وليس العكس..!.
على أية حال، يؤمّلُ العقلاءُ عندنا بأنّ ذوي القرار السياسي والنفطي معنيون اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن لا يُمرّروا أيةَ إعتداءات او إهانات للهيبة العراقية أو أي بخس للحقوق العراقية من قبل جهات في الأردن إلا وتكون بإزاءها مواقف عراقية حازمة تضع لكل ذي حدٍ حده..
كما ومن اللازم ان يصار الى مزيد من الشفافية مع الشعب إزاء التوافقات النفطية الشفاهية او الرسمية خصوصا العقود النفطية الطويلة الأجل مع أي من بلدان العالم – لاسيما الأردن- وان لا تمرر تلك التوافقات النفطية طويلة الاجل.. إلا بموافقةٍ ورضى شعبي.. كونه صاحب الشأن الاول في القضية، كما وان العراقيين لم يعودوا يكترثون لإية مجالات للمحاباة او الإستثناء او التفضيل في أمر الاسعار النفطية مع أي كان حتى ولو كان جاراً لصيقاً .. فما بالك بمن كان يُسربُ لنا قطعان (الإنتحاريين) وأسراب المفخخات.. فيما نورّد له نحن.. وقوداً نظيفاً ومحروقات (شبه مجانية) يتنعم بها.