وبغض النظر عن "من كان على صح" أو "من كان على خطأ"، من حيث لا شأن لنا بمن كان على خطأ لأنه والحالة هذه فقد هوى من ركب القافلة إلى واد سحيق، الأمر الذي لايمكن بعد انتشاله، لابسبب تعثر الأدوات بل بسبب أن القافلة قد مضت عنه إلى عنق الطريق الذي لايستوعب الا من كان ملتصقا بركابها ومؤهلا معهم لعبور ذلك العنق أو النفق الضيق الذي فرضته المرحلة، وسبب آخر أن الخطأ يبحث عن عقول ضعيفة ليستقر بها، ويطردها خارج الركب ليستخلصها لنفسه، فما زالت هكذا حتى ويكون كل من تبقى فيها "قوي أمين" -فالقوي الأمين- هو من يحقق مراد هذه الأمة، التي يعمل من صالحها والسعي المخلص والجاد لادارة شؤونها.
فمثل هؤلاء-أي ضعاف العقول- كمثل الاحمق الذي يريد أن ينفعك فيضرك، وهي حالة مرضية تحتاج إلى وقفة وتأسف ودواء، ولكنها وللأسف هي الداء الذي لاينفع معه دواء.
قال الشاعر صلاح عبدالقدوس :
احذر الأحمقَ أن تصحَبـهُ ***إِنما الأحمقُ كالثوبِ الخلقْ
كلما رقعتَـهُ مـن جانـبٍ *** حركته الريحُ وُهْناً فانْخَرَقْ
كحمارِ السوءِ إِن أقضمتـهُ *** رمحَ الناسَ وإِن جاعَ نَهقْ
وإِذا جالَسْتَه فـي مجلـسٍ ***أفسدَ المجلسَ منه بالخرقْ
وإِذا عاتبتَهُ كـي يرعـوي ***زادَ شراً وتمادَىْ في الحُمُقْ
عَجَباً للناسِ في أرزاقِهـمْ *** ذاكَ عطشانٌ وهذا قد غَرِقْ
وهذا ماكنا نتمناه ان لايكون في بعض الكتل والأحزاب الفائزة، وممن فاز فيها في انتخابات المحافظات الأخيرة.
والمخالفة-أي الخيانة بحسب ماعبر عنها في الاوساط التنظيمية والمجتمعية- تكمن في أن واحدا منهم أو اكثر قد خالف رئيس كتلته بالآراء المفصلية والوفائية، فمني بهذه العاقبة، بالإضافة إلى طرده من ذلك المكون الذي تم التصويت له فيه ومن خلاله، ويعزى تفسير هذه المخالفه هو: عصيانه لاوامر وتعليمات رئيس أو حزبه أو كتلته التي اوصلته إلى هذه المكانة بفضل حصد أصوات الناخبين لصالحه تحت رايتها، وبفضل الرقعة الجغرافية الجماهيرية التي تشغلها تلك الكتلة، والمكانة التاريخية الكفاحية التي نأت بها ضد قوى الاستبداد العبثية.
وجوهر المخالفة أنه-أي العضو- راغب عن مكونه الذي صنعه واوصله إلى هذا المقام الرفيع ، ولكنه فضل الانضمام إلى كتلة أخرى لكي تمنحه منصبا رفيعا يتمتع به لاربع سنوات قادمة، ويجني من خلاله جمع المال والحصول على المرتبات العالية والامتيازات المرموقة، والحصانة واسترخاص كل ماهو غال.
ويبدو وحسب الظاهر الذي صنعه هذا التداعي الخطير "أنه أعطى إنطباعا للمتلقي وللمراقب عن كثب، بان القضية التنظيمية لتلك الكتلة لاتتوافر فيها أواصر النسيج التنظيمي والاجتماعي الناجحة ولا التحكيم المنضبط الذي يراعي قواعد اللعبة والوفاء بالالتزامات الأخلاقية من قبل المرشح الفائز لمكونه الأم" الأمر الذي جعل ذلك العضو في حل من التزاماته تجاه كتلته وناخبيه بسبب انتهازيته وتسافله عن المقام الذي وضع فيه من قبل الناخبين الذين تآزروا مع ذلك المكون.
وجعل-بضم الجيم- "المواطن الناخب" في حالة شك وذهول وريبة واحباط وإمتعاظ من تلك الكتلة أو الحزب، من حيث اهتزاز مديات ايمانه التي ارسلها باتجاه التصويت لصالح ذلك المكون ومرشحه الذي كفلته تلك الكتلة، وانها وبعد بروز هذه الفقاعة على السطح تولد انطباع يترائى للناخب من خلاله ان ذلك المكون لايستطيع قيادة الناخب وتوجيهه إلى بر الأمان أو أن يحقق له تطلعاته وطموحاته الوطنية والانسانية، لابل يستفزه ويجعله مزعزع الثقة بالعملية السياسية ومسلوب الإرادة فيما يقرر ويعتقد، فالعملية أصبحت من نظره وكأنها "طم أخريزه" لأن الذي صوت له بالأمس على أساس مايؤمن به من اهداف وتطلعات، ورفعه على قائمة الفائزين، اضحى اليوم في كتلة أخرى قد تكون معاكسة تماما لما يؤمن به ويعتقده من اهداف وتطلعات وفي اختلاف للرؤى ووجهات النظر، وبذلك "يكون الناخب قد استحمر من حيث لايريد"، ووضع من حيث انه لايدري أيضا بما يحدث خلف الستار وبما يجري من صفقات يتم بموجبها الاستهانة بأصوات الناخبين المتحمسين لإذكاء تجربة صناديق الاقتراع، وهذا نوع من أنواع الظلم والتعسف والإستبداد الديموقراطي وإن كان هذا التصرف على مايبدو مباحا من الناحية القانونية بقانون المفوضية العليا للإنتخابات.
هذا وقد أصبح المواطن على قدر كاف من الوعي واليقظة والتجربة اللائي يؤهلنه إلى استقراء الأمور بشكل دقيق، بحيث يستطيع أن يؤشر على الخطأ قبل ومنذ انبثاقه في الساعات الاولى، والفرق بين هذه الدورة الإنتخابية والدورات التي سبقتها أن الأشياء فهمت بوقت مبكر ،الأمر الذي سيدعوها لأن تقرر أن تمارس دورها بنفسها للتغيير والإلزام لتنفيذ أرادتها من خلال المطالبة من قبل الاعلام والكتاب والمثقفين وبعفوية عامة الناس التي تحفزهم للتظاهر ليعبروا عن آرائهم وإرادتهم الحرة-ولا من داع لأن يلدغ المواطن الناخب من جحر مرتين- فإن لم يفعلوا ذلك فما حري بهم إلا ان يعلنوا الولاء والطاعة لكل من فرض ولايته على الرقاب بعصا الطاعة أو بمثلها، وان يساعدوا على أستحمار أنفسهم بإنفسهم لكل من يريد ان يغدر بهم أو يتسلط عليهم، وهذا مالم يجب ان يكون، لأن ذلك سيكون عليهم وبالا وغمة وفي غاية من القسوة، ولامجال للتأخير.
هذا وقد اشر المكوث والاستغراق الطويل لنتائج الانتخابات ومدة التفاوض التي تتعارض مع الفترة الزمنية التي حددها الدستور، اشر على ان فترة الشهرين المنصرمة كأن التفاوض فيها بين النخب الفائزة كان تقسيم للمناصب والحصص والكراسي بات اكيدا، يعني -هذا إلي وهذا إلك- وكأن القضية تبدو على انها توزيع واقتسام ل"منيحة" منحت لهم دون غيرهم ، تقليدا وتتبعا لما جرى في الدورات السابقة التي سكت عن تصحيحها الناخبون- بسبب قلة الخبرة التي تولدت عندهم من خلال السجن الكبير الذي وضعهم فيه النظام السابق وكمم فيه أفواههم واخذ بسمعهم وأبصارهم.
و"مصائب قوم عند قوم فوائد" ولكن لايهم ف "الياكله العنز إيطلعه الدباغ"-.
وصدق رسول الله الكريم محمد {ص} لما قال في من سبقهم من أقوام، اذ قال فيهم :
"لتتبعن سنن من كان قبلكم ، حذو القذة بالقذة ، حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه."
ولو أن الناخبين "صححوا المسار" في ماكان في الدورات السابقة، وفي ما هو كائن الآن، لضمنوا سلامة وصحة المسار في ما يكون بعد الآن في الدورات اللاحقة.
ومازلنا بصدد انتخابات المحافظات،فلنعرج قليلا على واحدة من تداعياتها في احدى دوائرها، والتي تستحق الوقوف وإن طال قليلا، فقد برزت حالة تجلب الإمتعاظ والاستياء، بسبب ان الانتخابات باعتقاد الناخب، وحسب ما أفرزته الساحة من واقع مرير لم يحقق للناخب الهدف الذي ذهب من أجله للتصويت، فواحدة من هدف الانتخابات تسمية الاشخاص لتبوء منصب محافظ الناصرية على سبيل المثال من خلال ماأفرزته نتائج الانتخابات، التي أشارت إلى أن إئتلاف كتلتي "المواطن والتيار الصدري" هما كانا الأرضية المناسبة والأجدر لتشكيل الحكومة المحلية الجديدة واختيار شخصية مناسبة ونزيهة وكفوءة وقادرة على ادارة المحافظة كمحافظ لها، يستطيع ان يكمل عملية البناء والاعمار المميزة التي قام بها المحافظ الأسبق السيد "عزيز كاظم علوان" والتي اضمحلت وانحسرت في عهد المحافظ السابق السيد طالب الحسن، ولكن وكما يبدو ان أهل المحافظة استبشروا خيرا بإنقضاء مدة ادارته البالغة أربع سنوات والتي تميزت أيضا باستشراء الفساد الاداري والمالي وتسببت في تفويض عدد مقاعد دولة القانون عن معدلها في الدورة الانتخابية الحالية قياسا بالدورة الانتخابية السابقة.
وعليه إذا اردنا الفلاح والنجاح لهذه المحافظة ان ينظر السيد المالكي بعين الاعتبار لتطلعات شعب هذه المحافظة المهمة في احترام ارادتها وارادة ناخبيها من خلال إعادة النظر في موضوع من سيتولى هذا المنصب ان يكون رهنا بيد الكتل الفائزة وهما: إئتلاف كتلتي "المواطن والتيار الصدري" كما اسلفنا في آنفا، وهما جديران وزعيمان بها وكما أراد الناس في ذي قار عبر صناديق الاقتراع، ولا من منة لأحد عليهما.
والسلام عليك ياسيدي ياأمير المؤمنين على هذه اللؤلؤة الثمينة وهي واحدة من معجزاتك وأنت القائل فيها:
"من حسنت سياسته، دامت رئاسته."
والسلام.
علي الحاج
٢٢.٠٦.٢٠١٣