إن أدبيات وخطاب المجلس الأعلى منذ نشوءه وطيلة سنوات كفاحه انطلاقا من ارض المهجر كانت من المنطقية والوضوح بمكان فهو لم يكرس النزعة الطائفية مطلقا ولم يبن علاقاته العامة على هذا الأساس وإنما هو خطاب عراقي خالص يسمو فوق تأثيرات العرق والطائفة بل وحتى التوجهات السياسية الأخرى , كان يتسم بالانفتاح الكبير والاعتدال في النبرة والابتعاد جهد الإمكان عن الوقوع في أتون الصراعات الجانبية فكانت جل خطابات رئيسه سماحة السيد عمار الحكيم تتحدث عن معاناة الشعب العراقي كله ولم تقتصر على الدفاع عن طيف دون آخر أو مكون دون غيره وما يؤيد ذلك هو التحالف الرصين مع الأخوة الكرد وهم من أهل السنة وما ظهر من احترامهم الكبير لهذا التحالف الذي لم تتحكم فيه الظروف على اختلافها , فإذا كان أيام المعارضة بمستوى جيد فهو في زمن الحكم أجود وأكثر تجذرا , وكذلك الحل مع الأخوة السنة سواءا بالعلاقة الجيدة مع الشخصيات والرموز السنية أو مع عموم الطائفة السنية بالرغم من محاولة البعض إقحامها في خندق آخر وكأنها غير راضية عن تغيير النظام الفاسد ومع تلك الظروف التي بدت معقدة فان خطاب المجلس الأعلى ما هو إلا استمرار لذلك الخطاب ألمجلسي السابق الذي يدافع عن العراقيين عموما ويعبر عن حرصه على الدفاع عن مصالحهم جميعا وعن الرغبة الصادقة في إشراك الجميع في إدارة دفة الحكم على أساس العدل والحرية والمساواة , ولعل المجلس الأعلى هو السباق قبل غيره في إدامة التواصل مع الأخوة السنة على أساس من المصارحة والمكاشفة والتباصر وهذا ما يدعو إلى استشراف حال مستقبلي أفضل بلا شك. إن حرص المجلس الأعلى على وحدة أتباع أهل البيت لم يكن موجها ضد كائن من كان سوى انه يصب في هدف توحيد ابناء الشعب العراقي ككل وهذا ما تؤيده الوقائع ويوضحه الخطاب السياسي الذي يؤكد بعضه بعضا بين الحين والآخر, كما لا يخفى إن المجلس الأعلى لم يكن حزبا أو منظمة أو حركة سياسية ما مؤطرة برؤى معينة معتمدة على آليات تنظيمه تآلفت عليها التجارب الحزبية في العالم , بل هو مسيرة عامة دينية سياسية لا تعتمد طريقة التنظيم الحزبي المحكوم بسياقات صارمة وإنما هو مسيرة مفتوحة تعتمد نظم الأمة وليس تنظيم المنتمين حزبيا وتتخذ من السياق المؤسساتي سبيلا للاتصال بالأمة وتقديم الخدمات لها كما أنها تستنير بهدي المرجعية الرشيدة وتجعلها هاديا مباركا للخطوط الطويلة والعريضة للمسيرة بل إن إكبار مقام المرجعية في صميم روح المجلس الأعلى فهو أمر ملازم للحالة الإيمانية ومن متطلبات الإتباع الصحيح لخط أهل البيت(ع) .لذا نجد من لم يفهم حقيقة خط أهل البيت يقع في خلط كبير في تفسير العلاقة ما بين المجلس الأعلى والمرجعية الدينية تفسيرا سياسيا محضا من قبيل ما يعتبره البعض براغماتية سياسية أو غير ذلك في حين إن لا تبدل في احترام المجلس الأعلى للمرجعية الرشيدة أينما كانت يتسع هذا الاحترام سعة الإسلام ورحابته التي لا يحدها عرق أو لون لذا كان اعتزاز المجلس الأعلى بمرجعية الإمام السيستاني (دام ظله) كمرجع أعلى في هذا المقطع من الزمن وهو ذات الاعتزاز بمراجع الطائفة الكبار في أي مكان أو زمان آخر لا لإحلال بعضها محل الآخر ولا إلغاء لبعضها واستبدالها بغيرها كما يراها المسكونون بالتفسيرات السياسية المحضة بل القادر على فهمها هو من مكن الإيمان قلبه بطبيعة علاقة الأمة بمراجعها على مر التاريخ .