ويعبر عن هذه المواقف التي يتناوب عليها سماحتا الشيخ عبد المهدي الكربلائي والسيد أحمد الصافي ممثلا المرجعية الدينية العليا بما يمليه عليهما تكليفهما الشرعي والوطني والإنساني تجاه هذا الوطن وشعبه الكريم بكل أمانة واخلاص شديدين.
وقد عبر السيد الصافي في احدى خطبه بالقول بما في معناه: "إن من بعض رجال الدولة تنقصهم الغيرة والبعض الآخر ينقصهم الضمير الحي في رعاية مصالح العراق والحفاظ على أمنه ومحاربة الفساد، بل قام البعض من مزاولته بأنفسهم بشكل سافر ومفضوح".
وقال الشيخ الكربلائي: "ان الحكومة ينقصها شجاعة الاعتراف بالتقصير والاخفاق الأمني والاداري والذي يجابه من قبل المسؤول باللامبالاة وعدم الاكتراث" وقال أيضا: "إن الجهات، ويقصد بها الجهات التشريعية والتنفيذية الحكومية والأمنية والسياسية، تخشى على انهيار رصيدها الجماهيري والشعبي، فإنها عاجلا أو آجلا ستخسر هذا الرصيد اضافة لخسارتها الأكبر في الآخرة المتمثلة بحساب وغضب الله سبحانه وتعالى".
فلاشك أن المرجعية الرشيدة هي الأكثر حرصا على مراقبة الاداء الحكومي وابداء النصح والتوجيه بما يصب في مصلحة البلد ومصالح مواطنيه كافة على مختلف مكوناتهم الاثنية، والأكثر حرصا على مصالح الناس ومستقبل العراق، وقد ترجمت هذا إلى تعبير وخطاب منبري يعبر عن الواقع العراقي الذي أمنه العراقيون لممثليهم في مجلس النواب عبر صناديق الاقتراع، وكان الخطاب يؤشر على مواطن الخلل وسوء الاداء الحكومي، وتشخيص التداعيات ويستعرض المستقبل السياسي للعملية السياسية الجارية في العراق.
إن جل خطب المرجعية واهتماماتها تصب في مصلحة البلدكدولة وحكومة وشعب، والمرجعية لايفرق لها ممن يأخذ بنصائحها أو ممن لايأخذ بها، سوى مصلحة البلد ومواطنيه، ولأن الفائدة ستعود لمن يأخذ بهديها.
ومجلس النواب على سبيل المثال، هو الآخر المعني بهذا الخطاب أيضا، ولكنه قد حزم أمره ونأى بنفسه لجني مايريد ومايطمح له من تحقيق مآرب مادية، وبتغليب مصالح اعضائه الشخصية ومنافعهم العينية على مصلحة الشعب، وهم ليسوا بحاجة لممارسة السياسة بعد الآن ولا لرضاء الشعب، بعد أن ثبت ذلك لنا بالقرائن وبالواقع الملموس، بعد أن"كونوا أنفسهم"، وذلك يعود لحجم ماغنموه من بقرة العراق الحلوب، وبالتالي فأن هذه الغنائم تحولت إلى رؤوس أموال عاملة كمشاريع استثمارية في ماوراء الحدود العراقية.
تبقى الحكومة المتمثلة بدولة رئيس الوزراء هي المستفيد الأول من خطاب المرجعية الرشيدة، فعليها أن تستسيغه وتترجمه إلى ورقة عمل تستدل به لرسم خارطة طريق لبرنامجها الحكومي الآني والمستقبلي وتخطه بماء الذهب، ذلك لأن المرجعية استدركت الخطر الواثب على الحكومة من خلال المخالب الأخطبوطية الممتدة لها من خارج الحدود وداخلها والتي تحركها أذرع قوى الاستكبار المحلي والإقليمي والعالمي، وهي تستشعر الخطر الذي يطبخ على نار هادئة في عواصم تلك الدول لاستهداف الحكومة وتقزيمها واستنزاف رصيدها الشعبي في الانتخابات المقبلة في سنة ٢٠١٤ لصالح القوى السياسية المتواطئة مع تلك القوى، ربما يرافق هذه العملية مجموعة انقضاضات بمخالب سياسية ولوجستية قد يصل بعضها إلى نخر العظام، وانشقاقات من الوادي الذي تسلكه الحكومة إلى واد آخر، الأمر الذي ربما قد يؤدي إلى انهيار مفاجئ لجميع مؤسسات الدولة، والذي ربما لايمكن السيطرة عليه ويهوي بالعراق وبالعملية السياسية الديموقراطية التي كانت ومازالت المؤرقة والمهددة لدول المنطقة إلى واد سحيق.
إن السقوط المفاجئ إذا حصل للدولة والحكومة لاسمح الله، يؤدي حتما إلى اجهاض تطلعات الشعب بجميع مكوناته خلا من ربط مصيره بتلك القوى وبالقاعدة، فضلا عن ما يتعرض له البلد من هرج ومرج وفقدان تام للأمن وانهيار كلي لاقتصاد الوطن وبنيته التحتية، وتسود البلاد عتمة سياسية سوداء قد لايرى فيها بصيص أمل من ضوء في نهاية النفق.
إن هذا الوهن المحتمل للحكومة الحالية سببه كثرة الاعداء المتربصين لها في الخارج والداخل، وهذا العداء يعتقد أن من أهم اسبابه أنها ومن البداية إئتلفت عند بدء تشكيلها كحكومة محاصصة في كل شئ وفي جميع مفاصلها وتحت هذا العنوان -كحكومة ائتلاف- وهي في حقيقة الأمر أصبحت عاجزة عن أداء مهامها التنفيذية والخدمية والأمنية على أحسن حال بفعل هذا الإئتلاف المريب والمحاصصة المقيتة، ذلك لأن كل مسؤول فيها هو عبارة عن رئيس وزراء رديف في الظل، ويعمل على اعاقة الاداء الحكومي بالرجوع لرئيسه "الظل" في كل صغيرة وكبيرة-أي رئيس مكونه- عند اتخاذ أي قرار من عدمه، وهذا يعني كثرة البطانات وكثرة الآراء المتناقضة، وكثرة التمرد والتلويح بالاستقالة ومغادرة المنصب لأتفه الأسباب، مثل بعضهم كمثل الذي ورد في هذه الآية الكريمة: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙوَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".
ماذا لو كانت الحكومة الحالية، والحكومات التي سبقتها، حكومات أغلبية سياسية؟
بلحاظ دعوة الحكومة الحالية لهذا المبدأ مرارا وتكرارا.
ولو أن الأمور جرت على هذه الشاكلة ماكنا بحاجة لمناقشة هذا الأمر ولخضنا في حديث غيرة، ولإستأنسنا بغير هذه الأفكار، وماكان الأمن أيضا والعملية السياسية على هذا الحال من التداعي وسوء الأداء، وماكان للارهاب والفساد أن يستأسدا بهذه الصورة المروعة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الشهداء العراقيين الأبرياء على مختلف مكوناتهم، ومئات آلاف الملايين من العملة العراقية الصعبة، وما كان بعض العراقيين على هذه الدرجة من التذمر والتأفأف الشعبي، ولطوقت مخالب الإرهاب والفساد المغروسة في عنق العراق وشعبه عنقيهما ولدارت الدائرة عليهما ولإنحسرا من غير رجعة، وبالتالي فلا وهن ولاضعف ولاحزن في العراق، كما هي سنة الله سبحانه وتعالى التي اختارها الله لخلقه من المؤمنين، والتي خالفها الناكثون والمسرفون والمارقون، وعز من قال في هذا سبحانه:"ولاتهنوا ولانحزنوا وأنتم الأعلون".
ونحن وفي اعتاب الانتخابات البرلمانية المقبلة، سنشاهد أو نلمس موجات هائلة من عمليات التسقيط السياسي فيما بين المكونات السياسية وقد يمتد هذا التسقيط إلى داخل أعضاء المكون الواحد والكتلة الواحدة والمؤسسة الواحدة بسبب تصاعد نفوذ النخاسة السياسية والإغرائات المادية المغرية للاعضاء، وبسبب تأثير الأجندات الخارجية، وسنلاحظ كذلك تحركهم على الجماهير لاستقطاب اصواتهم وشراء ذمم البعض منهم بطرق ملتوية جديدة أخرى لاسمعتها اذن ولارأتها عين ولاخظرت على بال أحد، و"اليحجي الصدك طاكيته مزروفة".
كما وتسعى دول الاستكبار الاقليمية جاهدة إلى تسعير الحرب الإعلامية لصالح حلفائها السياسيين على حساب الشرفاء، كما وتسعى أيضا لتكريس الانفلات الأمني في الداخل العراقي بزيادة معدل نشاطه من قبل القاعدة في التقتيل وتصعيد العمليات الاجرامية إلى حدودها العليا تزامنا مع العد العكسي لموعد الانتخابات.
و"يبدو أن المشهد السياسي في المرحلة اللاحقة قد لاينسجم مع طموحات بعض السياسيين الشرفاء ومع توجهات بعض الكتل السياسية الوطنية، ويبدو كل شيء فيها ضدنا بما في ذلك نحن!!!".
كما تسعى هذه الدول جاهدة بالتأثير على القوى السياسية الموالية لها بالضغط على تأجيل الانتخابات عن موعدها المقرر تمهيدا لاستحداث وصناعة احداث سياسية مفاجئة ومزعجة تتزامن مع حسم ووضوح الموقف العسكري في سوريا لتساهم هي الاخرى كعامل مساعد لإجرائات المتحالفين في حرف العملية السياسية في العراق عن أهدافها أو لتجييرها ومصادرتها بالكامل لصالح اتباعهم في الداخل العراقي.
فعلى الحكومة والقوى السياسية المتحالفة معها أن يكافحوا ويسعوا لاسقاط هذا المخطط المشبوه بخطوة جريئة وفاعلة وشجاعة بحل البرلمان واقامة انتخابات مبكرة على وجه السرعة.
وفي الختام أن الصيحات والتظلمات الجماهيرية قد لاحت في الأفق حول تردي الحالة الأمنية وحالة الخدمات وإستشراء الإرهاب والفساد، وقد عجزت الحكومة في معالجة ذلك على أكمل وجه بسبب ركة الاداء الحكومي بسبب المحاصصة والأرهاب والفساد، وهم محقون في ذلك-أي الجماهير-وهي على وعي تام وقناعة تامة بأن الحكومة نفسها محصورة في زاوية الدفاع عن النفس الأمر الذي جعلها عاجزة عن توفير الأمن والخدمات على نحو حماية وارضاء الجماهير، وإجهاض تلك الإجراءات-أي إجراءات الحكومة- من قبل الإرهاب بالتكافل مع الفساد، وهذا شيء طبيعي يحدث لكل حكومة في أي دولة في العالم مهما كانت حنكتها السياسية، ورصانة نظام الحكم فيها، إذا توفرت لها نفس هذه الأجواء المتداعية وأحاطت بها كما هو عليه الحال في العراق.