خرج المالكي قبل ما يزيد على شهر على الملأ متهماً السعودية برعاية الإرهاب وبأنها المركز الذي انتشرت منه موجات الإرهاب التي تضرب العراق وبقية بلدان المنطقة والعالم.
واليوم للمالكي موقف ثالث مغاير لمواقفه السابقة إذ أثنى على السعودية قائلاً: "وأخيرا انتبهت السعودية إلى خطر الإرهاب وخطأ موقفها السابق في السكوت عنه ولذلك صدرت الأحكام بحق الذين تثبت إدانتهم بالإرهاب.. نعتبر هذه الخطوة جيدة لكنها متأخرة."
المواقف الثلاثة متناقضة تناقضاً صارخاً، فإذا كانت السعودية دولة معتدلة فليس من المنطقي أن تتحول إلى مصدر للدعوات التكفيرية الإرهابية خلال شهور معدودات، ثم بعدها بأيام تعود لرشدها لتصبح معادية للإرهاب، وليس من الصعب إثبات هذا التناقض الأخرق الذي وقع فيه رئيس الوزراء العراقي.
عندما وصف المالكي السعودية بـ " الاعتدال" كانت تجاهر بمواقفها المعادية لطائفة المالكي، وتوعز لكهنة الوهابية بإستهداف الشيعة بفتاوى التكفير، وتبث قنواتها الفضائية البرامج المحرضة على قتل الشيعة، وتدعم الحكومة البحرينية الظالمة لشعبها ذي الغالبية الشيعية بالقوة العسكرية والأموال والدبلوماسية، وتتفاخر بدعمها لقوى المعارضة المسلحة في سورية بما فيها المجموعات السنية الإرهابية، وتؤلب حلفائها اللبنانيين على القوى الشيعية في لبنان، فهل من المنطق وصف السعودية بالاعتدال؟
كان الإرهاب التكفيري المصدر والممول والمسلح فكراً وعتاداً من السعودية حاضراً وفاعلاً قبل وأثناء وبعد تملق المالكي للسعودية ووصفه لها بالاعتدال، لذا فقد ارتكب المالكي خطيئة لا تغتفر بوصفه السعودية بالاعتدال، وهو بذلك قد دحض عنها تهمة الإرهاب وشجعها على المضي في جرائمها الإرهابية بحق شعبه.
لماذا غير المالكي من موقفه من السعودية ليتهمها بتصدير الإرهاب ومن بعدها بأسابيع قليلة أطرى موقفها من الإرهاب؟ لو اكتفينا بالظاهر من هذه الحقائق لقطعنا بأن العلة تكمن في تفكير المالكي المخالف لموجبات المنطق والحقائق الناصعة، وقبل التسرع في الجزم بذلك ينبغي استقصاء تفاسير محتملة أخرى، والمبدأ الأساسي في تفسير كل الظواهر والسلوكيات الفردية والاجتماعية وكذلك الطبيعية هو افتراض تعدد العوامل السببية، إذ عادة لا يوجد عامل أومسبب واحد يكفي لشرح ظاهرة ما، وهذا ينطبق على حالة الأنواء الجوية وسلوك المالكي أيضاً.
أمريكا عامل اساسي ومؤثر في المنطقة وأحداثها، ولو أضفنا هذا العامل على الصورة المضطربة لمواقف المالكي من السعودية لانجلى الضباب عنها، الاعتدال تسمية اضفتها أمريكا على المحور الإقليمي السائر في ركابها، وهو المحور المتنافس والمعادي لمحور الممانعة أو المقاومة، والسعودية والعراق عضوان رئيسيان في المحور الأمريكي "المعتدل"، لذا وخلافاً للحقيقة والواقع ولكن امتثالاً للإرادة والمصالح الأمريكية وصف المالكي السعودية بالاعتدال، وقبل نهاية العام الماضي ظهرت بوادر تأزم في العلاقة بين أمريكا والسعودية، إذ وجهت السعودية انتقادات لامتناع أمريكا عن توجيه ضربة للنظام السوري وأبرامها اتفاقاً مع إيران حول برنامجها النووي، وجوبه الانتقادات السعودية باستياء أمريكي علني، وحينئذ تغير موقف المالكي من السعودية جذرياً من دولة معتدلة إلى راعية للإرهاب، وبعد اصدار السعودية لنظام مكافحة الإرهاب ذراً للرماد الأمريكي في العيون سارع المالكي لمدح خطوة السعودية وإن جاءت متأخرة على حد قوله.
مهما ذرت أمريكا وحلفاؤها السعوديون والعراقيون وغيرهم من الرماد والتراب والحصى فلن تخفى على العيون المبصرة حقيقة مطلقة وهي أن السعودية دولة مصنعة للإرهاب بعقائدها المنحرفة وتمويلها السخي واسلحتها الفتاكة وإعلامها المضلل، وكل إرهاب تقترفه أو ترعاه السعودية هو بالضرورة بوحي ورضا أمريكي، وكل حليف لأمريكا في المنطقة شريك بالكامل في جرائم السعودية الإرهابية بحق العراقيين وغيرهم.
١٠ شباط ٢٠١٤م