ولكن في المرحلة الثانية من صوت الشارع بدأت المفاجأة المحزنة وهي اكتشاف الناس ان المادة ٣٨ من القانون نصت على راتب فلكي وكارثي للرئاسات الثلاث والوزراء والنواب والدرجات الخاصة ، اكتشف الناس ان كل ما اعلنوه من رفض واحتجاج ضد رواتب كبار المسؤولين اصبح هباء وان هناك خدعة ! وقد تذكروا تلك التظاهرات والمؤتمرات والهوسات العشائرية والاصطدامات مع الشرطة وخراطيم المياه كل ذلك كان تحت عنوان حركة رفض تقاعد النواب ، وقد رضخت الجهات المسؤولة للمطلب ولكن في هذا القانون الملغوم خرجت رواتب كبار المسؤولين من الباب لتعود من الشباك ، وسط وضع غامض في اجواء التصويت ، وعندما اندلعت عاصفة الرفض الآن بعد اكتشاف اللغم بدأ بعض النواب يلقي باللوم على بعض وتبخرت فرحة قانون التقاعد وتحولت الى مأتم صامت واحباط وحوقلة واسترجاع ، فقد اتضح ان الراتب التقاعدي للرئاسات سيكون بحدود ٦٠ مليون دينارا ، وان تقاعد الوزراء والنواب والدرجات الخاصة عاد الى وضعه السابق المرفوض (جماهيريا) او قريبا منه ! أما المكاسب المزعومة للمواطنين الكرام فتتمثل برفع سقف الحد الادنى لتقاعدهم ليصل الى ٤٠٠ الف دينار ، في هذه الحالة سيتحول القانون الجديد الى اداة اعلامية جاهزة لاسقاط كتل ونواب وحياكة الروايات والقصص حول موقف فلان وسكوت علان عن القانون الجديد ، سيكون اداة للدعاية الانتخابية الايجابية لطرف ما ، و السلبية لطرف آخر قبل ٨٠ يوما فقط من الانتخابات ، وهنا لا بد من التذكير بأن كتلة المواطن وكتلا أخرى تبنت سابقا الغاء تقاعد النواب واعلن نوابها التخلي عن تقاعدهم امام الرأي العام فكانوا موضع اعجاب في كافة الاوساط وحذا حذوهم آخرون ، وان هذه الكتلة دعت وتبنت سن القانون الجديد الموحد للتقاعد وسعت الى اعداده وترويجه ومتابعته في رحلته التشريعية من الحكومة الى المجلس ومن المجلس الى الحكومة ثم العودة الى المجلس وهكذا ، فقد مر مشروع القانون بأكثر من اربعة اسفار ليستقر به المقام على طاولة المشرعين مع ان ذلك اللغم اللعين يستقر في احشاءه ... الآن يجب على الكتلة التي بدأت بهذا الانجاز ان تحافظ عليه ، يجب على كتلة المواطن القيام بالمهام الآتية :
١- الاستدراك والاعتراض على وجود تقاعد الرئاسات والنواب المرفوض في القانون بصيغة الطعن القانوني بالمادة ٣٨ منه وان سبقهم آخرون الى الطعن بها او اعلان نية الطعن ، وهو واجب اخلاقي وشرعي لان القانون تضمن ما كانت ترفضه كتلة المواطن .
٢- اعداد صيغة تعديل لتلك المادة واي مادة أخرى جاءت خلافا لتوجهات الكتلة ومطالباتها على ان يقدم التعديل للحكومة والبرلمان او الى المحكمة الاتحادية حسب الصيغة المتبعة .
٣- توضيح ملابسات الموضوع للاعلام بجهد واسع ومتواصل وعدم السماح لأي جهة او فرد بخلط الاوراق واستخدام هذه القضية في دعاية انتخابية مضادة واسقاطية .
ان خروج القانون بهذا الشكل اضاع جهودا كبيرة بذلها نواب وحكوميون وصحفيون وخبراء من أجل التوصل الى قانون تقاعد يرفع مستوى المعيشة للمواطن العراقي المتقاعد ويحفظ كرامته ويوفر له الرفاه بالحد الادنى في بلد غني كالعراق بامكانه تطبيق السياقات الحقوقية المعمول بها في دول النفط التي رفعت دخل الفرد الى اعلى دخل في العالم بينما مازال العراق صاحب الاحتياطي الثالث في العالم يضم افقر الناس واكثرهم بؤسا كما يضم اصحاب اكبر رواتب رئاسية ونيابية في العالم ، ظلم واضح وطبقية وبؤس وفساد في التقنين والتنفيذ ... مفارقة عجيبة في العراق بلد المفارقات والمفاجئات ، فقد وصف الناس والاعلام هذا القانون يوم اقراره بأنه منجز عظيم ، ولكن بعد اكتشاف اللغم بيوم واحد وصف القانون بأنه اكبر مؤامرة للحفاظ على رواتب النواب والرئاسات !!! يحتاج هذا الحدث الغريب الى متهم سوف تجري صناعته واختلاقه واعلانه ثم اصدار الحكم عليه ، وسيلقى المتهم المختلق وضعا صعبا في الشارع ، وستكون مصداقيته على كف عفريت ونحن نقترب من الانتخابات النيابية ، فليسارع الابرياء لاثبات براءتهم ، وليسع اصحاب المبادرة الاوائل لتصحيحها بالطعن الصريح مهما كان الثمن وبسرعة في سباق مع بلدوزر الدعاية التي لا ترحم .