تجيب: أنا لا أثق بالعراقيين.
هكذا ومن دون تردد وبنظرات ثقة ويقين أجابت أم حسين.
هي لا تثق بالعراقيين، كل العراقيين، بمختلف أعراقهم، وتنوع أديانهم وطوائفهم، السنة والشيعة، في الماضي والحاضر، وحتى في المستقبل، تجدهم غير مستحقين لثقتها.
لماذا يا أم حسين؟
تجيب أم حسين بأنها كانت وعائلتها ضمن المهجرين من العراق في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، ولا يغيب عن مخيلتها مشاهد التهجير القسري، والرعب الذي انتابهم عندما اقتحم رجال الأمن أبواب بيوتهم، واقتادوهم عنوة، من دون مال أو متاع، وتركوهم عند الحدود نهباً للخوف والقلق من مصير مجهول .
ذكرتني قصة أم حسين بذلك العراقي الذي شاءت المقادير مزاملته في العمل، حدثني يوماً بعد بدء الحرب العراقية على إيران أوائل ثمانينات القرن الماضي فقال: أنا غير محظوظ يا دكتور؟ سألته عن السبب، وتوقعت أن يشتكي من تأخر ترقيته أو عدم قدرته على توفير منزل خاص لعائلته، وكان قد خطب زميلة له في العمل، لكنه أجاب موضحاً بما معناه: بالأمس حضرت وصديقي مزاداً أقامته أجهزة الأمن لبيع ممتلكات المهجرين، واشترى كل واحد منا خزانة ملابس، وبعد الشراء فتشنا الخزانتين، فوجد صديقي مبلغ مئتي دينار في خزانته أما أنا فلم أعثر على فلس واحد، ألا ترى يا دكتور بأني غير محظوظ؟ لعنته في سري وابتعدت، علمت فيما بعد بأنه هاجر إلى أمريكا، واكتشف الأطباء هناك إصابة زوجته بداء الالتهاب أو التصلب العصبي المتكرر وهي بعد شابة فأقعدها المرض، لعل لعنة الخزانة المنهوبة طاردته هوزوجته إلى أمريكا، وكلما تذكرت القصة تساءلت مع نفسي عن مصير صديقه فهو لم يشتري الخزانة المنهوبة فقط بل استحل النقود المتروكة داخلها، وقد تكون الخزانة والأموال من ممتلكات أم حسين وأهلها.
للعلم فإن ذي الحظ الرديء وأم حسين من طائفة واحدة، وكلاهما شيعي.
هل تلام أم حسين على عدم ثقتها بالعراقيين، وهي تقرأ يومياً عن فساد حكامه وشهوتهم اللامتناهية للسلطة واستهانتهم بدماء الأبرياء وتفريطهم بوحدة وسيادة واستقلال وطنهم وعفوهم عن البعثيين القتلة وموالاتهم لأمريكا، فالعراق ما زال كما في عهد الطاغية الذي هجرها وعائلتها مرتعاً للظلم، يهاب فيه القوي ويهان فيه الضعيف، ويضام البريء ويفلت المذنب، يفتقر فيه النزيه ويغتني السارق والمرتشي، اختلفت الاسماء وتغيرت الوجوه، أو بالأحرى بعضها، لكن القلوب ما زالت مغلولة والعقول مغلقة والقيم معطلة والتدين مظاهر والمعاملات نفاق.
الان جاء دوركم لتسألوا أنفسكم وتجيبوا بصدق: هل تستحقون ثقة أم حسين؟
١٥ شباط ٢٠١٤م