الفارق بين السياسي وغيره.. ان خبرات الاخرين يمكن استيرادها او تدريبها في مختبرات ودوائر اختبارية، بينما لا يمكن استيراد السياسي.. الذي حقل تدريبه هو الشأن العام.. فيدفع الشعب التكاليف الباهضة للاخطاء والسلوكيات المنحرفة والجاهلة غالباً.. خصوصاً في ظروف يشكل الخلاف السياسي محور الازمات.. وظروف تنامي الارهاب والعنف والاصطفافات الطائفية والاثنية والتدخلات الاجنبية.
رغم ذلك يخطىء من يقلل من الدروس والتجارب المتراكمة.. فالتحولات النوعية تأتي بعد تراكمات كمية.. وبدل كبت الاصوات والحزب الواحد والرجل الضرورة ارتفع عدد الفضائيات ووسائل التعبير والاعلام غير الرسمية.. وانتشرت الاحزاب والقوى السياسية.. ومارس الشعب والسياسيون عدة تجارب انتخابية.. افرزت حكومات ومجالس تشريعية.. احدثت تدافعات حول القانون والدولة والادارة، ولو بكلف وطرق صعبة واحياناً فاسدة.. واسست مؤسسات المجتمع المدني والجامعات والمصالح والمنتديات.. وصار الاتصال بالعالم الخارجي ووسائل الاتصال الاجتماعي اسهل بكثير.. وهذه كلها ليست مثالية، بل في كثير من الحالات مرتبكة ومكلفة، لكنها كلها كالطفل.. يجمع طنطنته، لينطق.. ويحبوا ويزحف، ليمشي.. ويعبث ويكسر ويراهق، ليتعلم ويحافظ وينضج.
نخرج بالتدريج من مرحلة ٢٠٠٣.. وهناك وعي غير قليل للماضي والحاضر يمكننا ان نضعه في خدمة المستقبل، وتزايد الانتاج النفطي وسيصل قريباً (٤)، ويرتفع الى (٦)، و(١٠) م/ب/ي واكثر.. فمعظم الامور وصلت النهايات او القاع.. وستنقلب وتنهض من جديد، وفق المنطق القرأني "ان مع العسر يسرا".. او الادبي "اشتدي ازمة تنفرجي".. او "الكيسنجري" السياسي في ان الحلول تأتي في قمم التصعيد، او قعور الازمات. فالصراعات والاخطاء والانحرافات اتعبت الشعب والكتل والساحات والجماعات.. ووضعت البلاد امام طريق مسدود لا تستفيد منه سوى قوى الارهاب والعنف والفساد والطائفية.. فالحلول الجاهلة والمغالية والطامحة والمغامرة والمتفردة تتهاوى الواحدة تلو الاخرى.. لتفتح باباً وحيداً للخلاص، هو الجلوس الواعي حول طاولة العقد الاجتماعي، والديمقراطية، والتغيير، والتداول، وتطور الرأي العام، والممارسة الدستورية والديمقراطية لبناء دولة راشدة قوية في خدمة المواطن والشعب.