تعودت التواضع مع أن البعيدين عني والذين يرونني من خلال التلفاز، أو يقرأون بعض ماأشخبطه هنا وهناك دون أن يلامسوا القرب مني فيظنوني متكبرا كحال صديقي الذي إعترف لي يوما إنه كان يكرهني ويمقتني أشد المقت ،وكلما جئت أسأل عن شقيقه الأكبر، وكان يفتح لي باب دارهم كان يشمئز من وجهي، وقلت له، بالفعل فأنا أمتلك وجها قبيحا يرى فيه الناس تافهة في شخصيتي ومنهم من يرى التكبر وكلاهما قبيحان في نهاية الأمر. والتواضع الذي أقصده يمكن أن ألحظه في تواصلي مع الجميع. من الصغار والكبار، فألاطف هذا، وأمازح ذاك مع إن عليا بن أبي طالب يقول ، (من مزح مزحة فقد مج من عقله مجة) . وتراني حتى على مواقع التواصل الإجتماعي أتقرب من هذا ومن ذاك. وسواء كان مثقفا نرجسيا، أو عاملا في مقهى، وأراهما في مقام واحد مع إن تلك الرؤية لاتروق للنرجسي البتة.
في حالات مرت كنت أتواضع حتى في تعليقاتي، وأمازح و أجامل من يعرفني دون أن يتواصل معي، فيتجاهل تعليقي، وقد لايبدي أي رغبة في التواصل، مع إني أدرك إنه ربما وجد في ذلك دونية مني أو إعترافا بمجده التليد وعبقريته ولاأجد ذلك حقيقة، والحق هو إني تواضعت ورأيت أن لافرق بيننا فهو هو وأنا أنا دون أن ينقص من كلينا شئ على الأطلاق، وأفعل ذلك حتى مع الشبان الصغار الذين لم ينالوا قسطا من التعليم جيدا، وليسوا مثقفين كفاية،وربما لايفهمون سلوكي وكلماتي وتعليقاتي، ويرون فيها نزولا عند باب سلطانهم الخالد وهم لايمتلكون المعرفة، ولاالثقافة الواعية، وهو حمق مني في نهاية الأمر.
في الرياضة جربت التواضع والتماهي مع المجتمع ومصادقة أصناف من الناس دون النظر في أعمارهم وتجاربهم وثقافاتهم ووعيهم وفهمهم ونظرتهم لسلوكي وكلامي وتواصلي معهم، حتى إكتشفت حجم الحمق الذي وقعت في وهدته، وكأني لاخلاص لي منه، وصار علي أن أدفع ثمنا باهظا له، ولامهرب لي منه.. أمازح البعض من هولاء في لعبة كرة القدم، وأبدي تعصبا لهذا الفريق، أو لذاك وأتناسى إختلاف الأمزجة والنفوس، وأنساق لعاطفتي فأزيح عن ذاكرتي فوارق العمر والتجربة والثقافة والمزاج وأنسى كم إن من الناس من لايفهم ولايريد، ومن يجد في نفسه عظيما من العظماء الذين سيخلدهم التاريخ مع إنهم ليسوا على شئ، ولم ينالوا من حياتهم شيئا، وربما يكونوا رقما تائها في زحمة الأرقام البشرية، ووقعت بسبب ذلك في أخطاء فادحة جعلتني صغيرا بنظر نفسي أولا، وتمنيت لو أعرف حجم الصغار الذي أنا عليه في نفوسهم، فلاأجد سبيلا للمعرفة حتى كأني لاأقدر على مجاراتهم في الحجة، وأبدو ضعيفا في ملاقاتهم.
لي أخ وحيد حاصل على الدكتوراه في الهندسة لايخالط الناس كثيرا، ويذكرني صديق لي محب بقول سمعه يوما من أخي الوحيد، يقول، قلت لأخيك يوما، لم لاتخالط الناس، وأراك كأنك منعزل عنهم إلا في النادر؟ فقال، وهل يأتي من الناس غير الشر؟
تجربتي علمتني أشياء مهمة، ولاأدعي أني سألتزم بها تماما، وجدت إن الإنعزال عن الناس عافية وسلامة إلا في حدود ضيقة، فليس مهما أن يكون لك ملايين الأصدقاء، وقد تكتفي بصديق واحد يغنيك، ولابد من برج من العاج كالذي يتفنن شعراء وكتاب وفنانون وصحفيين في تصميمه وهو لايعني التكبر، ولكن لرصد أي إنتهاك لشخصك، فليس التواضع محمودا على الدوام ، خاصة حين لايفهمه الآخرون .