ولقد اثارني من الموضوع انني كنت انوي الكتابة حول اخر المستجدات على الساحة السياسية ﻻسيما عن اﻻصداء اﻻخيرة لموقف السيد مقتدى الصدر من العملية السياسية واعﻻنه اﻻنسحاب واﻻعتزال .
والحقيقة ان من يريد الكتابة حول هذا الموضوع ﻻيجد صعوبة ان كانت النوايا صادقة لوجه الله ، وليس للتقليد او اﻻتباع اي عﻻقة بذلك ، اذ اني اعترف بانني لست من اتباع السيد الصدر ولم اكن من انصاره ، ولكن مع زوال العوائق امام كاتب منفتح يحاول ان يحوي هموم العراق ويضمد جراحه ولو بشق كلمة تتذلل اﻻمور وتتبسط حتما .
ولعلي كنت ضيق الفكر حينما تصورت انه يمكنني ان اساير الركب واضع اسبابا جعلتها كما اﻻخرين موجبة لفعل السيد هذا ، وﻻ اخفي سرا اني قد اسقطت من ذاكرتي وقاموسي بل استبعدت تماما ان يكون السيد مقتدى قد عنى بأعتزاله توجيه ضربة لخصومه السياسيين بقدر ما كنت اتصور انه قد وجه ضربة قاسية الى انصاره او من يمثلون الكتلة الصدرية في البرلمان .
وعلى ما يبدو من ظاهر اﻻمور ان السيد مقتدى كان فعﻻ قاصدا في هذا التوجه هو احداث صدمة سياسية عنيفة تصحي الذين اصابهم الوهم فصار على آذانهم الوقر حيث يتلبسهم بالعشي واﻻبكار، فما استطاعوا مضيا بشرف وﻻ هم على عهدهم ثابتون .
لكني اليوم تفاجأت وانا اسمع خطاب السيد مقتدى والذي كنت انتظره ليزيل اللبس الحاصل في دواخلنا ، ثم تفاجأت اكثر عندما احسست بظآلة كل اﻻطاريح التي خمنت توجه السيد بهذا اﻻتجاه ، اذ انحرف مسار التفكير عندي ثﻻثمائة وثمانون درجة حينما ادركت ان أفق السيد الصدر قد تعدى كافة الخطوط وهو يتكلم بحسرة وحرقة عما آل اليه حال العراق في الوضع الراهن ، وان ما خرج على وسائل اﻻعﻻم من ترهات وتقوﻻت من هنا وهناك ما كانت اﻻ محاولة لخلط اﻻوراق وتخرصات كان الهدف اﻻساسي منها هو محاولة افراغ مشروع السيد مقتدى من محتواه الكبير والشامل.
ولعل ما يمكن ان يقرأ ما بين السطور ان لوعة الخطاب ومرارة النبرة كانت ﻻجل كل العراقيين ولم تكن مقتصرة على انصار السيد ومريديه فقط. حتى اني شعرت بلحظة ما بسريان تلك الحرقة الى قلبي وانا ارى بلادي وقد اللتهبت تحت ازيز التصريحات الطائفية المقيتة والتي افرزت حالة من اﻻنقسام والتشتت والتشظي والذي بات سمة من سمات المجتمع العراقي .
لقد كان مشروع الصدر باﻻستغناء عن العمل السياسي أكبر بكثير من محاولة احراز تقدم على الصعيد الشعبي ، او تحقيق مكاسب للمرحلة المقبلة كما يدعي البعض ، انما كان بالحقيقة نتيجة حتمية او تعبيرا عن امتعاض شديد اللهجة على الذين كانوا يمثلون الكتلة في البرلمان ، وقد عبر عن ذلك بألفاظ التوبيخ عندما امتدح محافظ بغداد ومحافظ ميسان ، مببنا أسفه الشديد على افعالهم ان كانوا يشعرون ،
ومرارة السبد تنبع كونه يرى اسم عائلته وقد استغل ابشع اﻻستغﻻل لذا فقد جاء خطاب السيد مقتدى الصدر بمثابة الصعقة الموجعة التي ازالت ذلك اللثام المصنوع من السياسة التي تبرر للغاية كل الوسائل مستندة الى منطق ميكافيلي قذر .
وحتى انهي ما بدأته اقول انه من الوهم التصور ان السيد مقتدى الصدر سوف يتخلى عن السلطة ، نعم يمكنه التخلي عن السياسة لكنه ﻻيمكن ان يتخلى عن سلطته الروحية ﻻنها ليست ملكا له .