ولكن بعد هذا التاريخ (٢٠٠٣) اصبح الجميع يتحدث بالسياسة لاسباب كثيرة ، منها بركات الديموقراطية التي جاء بها المحتل ، وكذلك التنفيس عن الكبت المتجذر في النفوس طيلة عقود فضلا عن الواقع المزري الذي يجبر الاخرس على النطق والحديث ، الامر الذي جعل الكبير يتحدث والصغير يعقب والمزارع يعترض و(الصنايعي) يرد ، السائق ينظّر و(العبري) يحلل ، وفي نهاية المطاف لم يعد الصالح خافيا على احد ولا عاد الطالح خافيا كذلك ، الجميع يعرف من هو نزيه ويعرف من هو (الحرامي) ، المواطن البسيط صار يعرف من سرقه ومن خانه ومن اكل (اصوات) الناخبين ورمى لهم عظام الخذلان ، على مدى ثمان سنوات مضت ، عرف الناس لماذا ينفق نجل البرلماني في يوم واحد ما يكفي لاشباع عائلة تتكون من عشرة اشخاص لمدة شهر ، كما عرف الناس من كان ينصرهم امام كاميرات التلفزيون ويخونهم ليلا امام سيقان الغانيات، تعرف العراقيون على من تقمص الدين في العلن وتسربل الطائفية في السر، لم يعد خافيا على احد حساباتهم في البنوك العالمية ، واسمائهم المستعارة التي يمهرون بها (شيكاتهم) المكونة من ستة ارقام او سبعة ..او ربما ١٢ رقما بالتمام والكمال، وكل ما شاهد الناس طفلا يجمع علب (البيبسي) الفارغة انهالوا بالشتم واللعن على نوابنا الكرام الذين يأكلون (لحم طير مما يشتهون) وفي عشوائيات بغداد من يأكل (القد والورق) وينام في غرفة تتساوى فيها اعداد الذباب مع عدد ذرات الاوكسجين ، اقصى احلامهم ان يحصلوا غدا على اكبر عدد ممكن من (القواطي) الفارغة ، هل يعي سياسيونا ان بعض هؤلاء الاطفال بسن السابعة او الثامنة ، يخرجون مبكرين جدا ، ليس لان عملهم المضني يتطلب ذلك فحسب ، بل لانهم لايريدون ان يراهم الاطفال المتوجهين الى المدارس وهم بهذا المظهر ؟ وكذلك لكي لا ينظرون هم الى الاطفال وقد علقوا حقائبهم المدرسية على اكتافهم وتوجهوا الى المدارس بينما يبحثون هم عن مكب نفايات كبير لجمع (قواطيهم) ؟ هل تعون ذلك ؟ هل شاهدتم طفلا بكى لان (الترفك لايت ) الذي يبيع فيه قطع القماش غير مزدحم؟ هل تعرفون ان الازدحام الشديد يمثل حلما لدى شريحة كبيرة من مجتمعكم يا اصحاب الملايين والمليارات ؟ نعم ، فباعة (الكلينكس) و(البازة) والشاي و(الجرك) لا يأكلون في ايام العطل لان الشارع ليس مزدحما بالسيارات وبالتالي فانهم لن يبيعوا شيئا والنتيجة انهم لا يأكلون .
الان ، هل سقطت ذريعة الوقوف على مسافة واحدة ؟ يا من كنتم تقولون ان المرجعية تقف مع الجميع ، ولا تفرق بين كتلة واخرى ؟ اليوم اعلنتها المرجعية صراحة ، وقبلها كانت قد لمحت لذلك ، فرقوا بين الصالح والطالح ولا تشتبه عليكم الامور ، ايها الناس انظروا الى اصحاب (القوط) وتذكروا اصحاب (القواطي) وانظروا الى الذين يفتح لهم (الترفك لايت) لكي يمروا بمواكبهم ولكن التفتوا الى باعة (البازة) ، لا يخدعنكم اصحاب الكروش الممتلئة بالحيوانات وتنسون اطفالا تعز عليهم اللقمة ، وتذكروا ان الله محاسبكم على اصواتكم فاما ان تعطوها لمن كبرت كروشهم باموال البلد او تبحثون عن الصالح الذي يحبه الله ورسوله والمؤمنون .