ففي تقرير صادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية، ومقره العاصمة البريطانية لندن، حذر من عدم قدرة الحكومة العراقية على تمويل مشاريعها أو الوفاء بالتزاماتها في غضون الأعوام الثلاثة المقبلة.
أذ عد هذا التقرير أن عدم قدرة العراق على توفير مصادر دخل أخرى لتمويل موازنته غير بيع النفط بالإضافة لزيادة الإنفاق الحكومي بنسبة تصل إلى ٦٠%، مقابل الإنفاق الاستثماري فإن نسبة العجز ستكون كبيرة إلى درجة أنها تهدد بتوقف عدد من المشاريع والتي يبلغ عددها أكثر ٦٠٠٠ بقيمة ٢٠٠ مليار دولار في مناطق متفرقة من البلاد.
الموازنة العامة لسنة ٢٠١٤ والبالغة قرابة ١٥٠.١ مليار دولار لا تختلف كثيراً عن سابقاتها سوى أنها تميزت هذه السنة بزيادة في العجز من ١٦.٧ مليار دولار العام الماضي إلى ١٨ مليار دولار بمعدل ١٢% من مجمل هذه الموازنة ، إذ أن ٧٠% من الموازنة هي (مبالغ جارية) أي أنها مصروفة بلا مستندات تصفية .
موازنة العراق لسنة ٢٠١٤ والتي تعتمد على إيرادات النفط بنسبة تفوق الـ٩٧% حيث تؤثر أسعار النفط وتقلبات الأسواق العالمية على تمويل نفقات تلك الموازنة ومشاريعها ، فيما تتبقى ٣% ما هي إلا ضرائب على الشعب العراقي ، وفي الوقت الذي يعول فيه العراق على زيادة إنتاجه النفطي لأكثر من ٤.٧ مليون برميل يومياً حتى العام ٢٠١٥، إلا أن زيادة المعروض في الأسواق العالمية مع عودة قوية للنفط الإيراني وزيادة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة والنمو البطيء للاقتصاد الصيني كلها عوامل بدأت تضغط على سعر النفط الخام الذي قد يتراجع خلال العام القادم ٢٠١٥ إلى نحو ١٠٠ دولار للبرميل ، وبالتالي تراجع تصدير النفط العراقي ، والذي يؤثر بالسلب على تنفيذ المشاريع المتأخرة أصلاً .
كذلك الأزمة الكردية دخلت على الخط ، وعدم حضور جلسات المصادقة عليها ، هو الآخر سوق يستنزف ميزانية الدولة فإن ما يصدره إقليم كردستان من النفط والبالغ ٤٠٠ ألف برميل يومياً يشكل مصدراً مهماً لموازنة العراق، لكن المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل بخصوص مستحقات الشركات النفطية وموازنة حرس الإقليم والمناطق المتنازع عليها قد تعرقل التوصل إلى اتفاق بخصوص إيرادات تلك الصادرات. فالحكومة العراقية تطالب بحصولها على الإيرادات عن كامل الكمية المصدرة في حين تصر اربيل على أن صادراتها لم تتجاوز ٢٥٥ ألف برميل يومياً.
الموازنة العامة في العراق تعاني من ارتفاع كبير في الإنفاق العام خاصة وأن زيادات كبيرة حدثت بفعل دفع مبالغ التقاعد وزيادة الحد الأدنى للأجور وتثبيت موظفي العقود ودفع تعويضات الأمطار والسيول ومنح الطلبة وغيرها من النفقات التي حملت موازنة هذا العام أعباء كبيرة جداً.
كما أن العراق يحتاج إلى إنفاق قرابة ترليون دولار خلال السنوات العشر القادمة لتطوير قطاعه النفطي وعدد من المشاريع الإستراتيجية أهمها السكن و الصناعة. إلا أن هذا الرقم يبدو بعيد المنال خاصة في ظل الظروف الصعبة لاستقطاب الاستثمار الأجنبي وعدم مرونة النظام الاقتصادي و تخلف البيئة المصرفية في العراق.
وفي حال لم ينجح العراق في تقليص نفقاته الحكومية وإصلاح نظامه الاقتصادي ومؤسساته التي تعاني من الروتين و البيروقراطية والفساد المالي و الإداري بالإضافة إلى تنويع مصادر الدخل و إيجاد حلول سريعة لتوفير الأمن والاستقرار، فإن ذلك قد يضغط مستقبلاً لتشكيل أقاليم جديدة تعلن انفصالها عن المركز ، يهدد وحدة العراق ارضاً وشعباً ، ويثير النزاعات والصراعات الطائفية والقومية ، ما يثير أسئلة حول مستقبل العراق كدولة نفطية واقتصاد قوي.