صوت الناخب أشبه بحجر الفلاسفة، إذ بواسطته يتحول المرشح في الانتخابات إلى عضو في البرلمان، وربما من بعد ذلك إلى وزير أو حتى رئيس للوزراء، وهو من قبل الانتخابات لا سلطة له على أحد إلا ربما أهل بيته، ولكن صوت الناخب وعلى عكس الحجر الخرافي لا يحدث تغييراً جوهرياً في نفس المرشح، فالناس كما وصفهم الرسول الأعظم معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، والمرشح الطالح قبل الانتخاب لن يصبح صالحاً بعد ذلك، والعجيب أن الناخبين العراقيين اختاروا وسيختارون بعد أسابيع قليلة مرشحين بانت وتأكدت رداءة معدنهم الصديء لكل ذي عقل.
من خرافات الإغريق أيضاً صندوق باندورا، فتحته أول امرأة في الخلق فخرجت منه كل الشرور، لا تصدقوا الخرافة لكن صدقوا أن هنالك بالفعل صندوقاً ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، هو صندوق الانتخاب في العراق وما يخبئه للعراقيين من شرور مستطيرة.
عندما يضع ناخب عراقي ورقة الانتخاب في صندوق الاقتراع عليه أن ينصت جيداً فلو سمع صوت ارتطام جسم معدني داخل الصندوق فليعلم بأنه أدلى برصاصة.
عندما تدلي بصوتك لمرشح قضى في عهده عشرات الألاف من العراقيين، وثبت اخفاقه سنة بعد أخرى في حفظ الأمن وحماية أرواح العراقيين فإنك بذلك ستضمن استمراره في نفس النهج الفاشل، ويتسبب صوتك وبطريقة مباشرة في مقتل وجرح وتشريد آلاف أخرى من العراقيين، وقد تكون أنت وأهلك في عدادهم.
لو اخترت مرشحاً أعاد البعثيين إلى وظائفهم، ومنحهم صك غفران عن جرائهم، فستكون قد وضعت في بنادق البعثيين الإرهابيين رصاصات، ليقتلوا بها المزيد من العراقيين.
وما بال هذا السياسي يخرج على الملأ بين حين وآخر ليتهم دولاً وأطرافاً بدعم الإرهابيين والتسبب بخراب العراق، لكنه يكتفي بالتشكي فلا قطع علاقاته الدبلوماسية معهم، ولا اوقف استيراد بضاعتهم، ولا حظر عمل شركاتهم، ولا قدم شكوى ضدهم في المحافل الدولية، فهو بلسانه يهاجمهم وبيده وبمال العراقيين يساندهم، فهل تريد أن تكون شريكاً لهذا المستهتر بدماء العراقيين بالتصويت له؟
لا تنسى بأن ذلك المرشح الذي يطمح إلى أكثر بكثير من مقعد في مجلس النواب صرح بأن لديه ملفات تفضح ارتباط شخصيات سياسية بالإرهاب، لكنه أخفاها لسنين عدة، وهو قد أدان نفسه بالتستر على الإرهاب، فهل تريد أن تكون متواطئاً معه؟
وإن أعطيت صوتك لمرشح لا يخفي تعاطفه مع الإرهابيين التكفيريين، ويجد لهم العذر والتبرير، ويعارض أي عملية تستهدفهم، فهو في الواقع حليف للإرهاب أو متستر عليه، واختيارك له يجعلك شريكاً كاملاً للإرهاب، وعندما تمتد يد إرهابي بعد ذلك لتحز عنق عراقي فلا تنسى غسل يديك جيداً من دماءه.
تذكروا توقيع هؤلاء الساسة على الاتفاقية الأمنية مع حكومة أمريكا، وهم اليوم يشتكون من خذلانها للعراق في حربه على الإرهاب، ويتذمرون علناً من تزويد حليفهم الأمريكي للإرهابيين في سورية بالسلاح المتطور ومنعه عن القوات العراقية، فلا هو نفذ صفقات السلاح مع العراق ولا سمح لحكومته باستيراده من دول أخرى، فلا تستغربوا أن سمعتم أن للإقليم الكردي قوة أعظم من الحكومة المركزية، وعندما تصوتون لهؤلاء الساسة الذين تقاعسوا في تزويد القوات العراقية بأفضل أنواع السلاح تساهمون في مقتل المزيد منهم.
لن يتردد البعض في التصويت لمرشحين يجاهرون بدعوتهم لتقسيم العراق، والكل يعلم بأن ذلك لن يمر بسلام، وستسفك دماء بريئة بسبب ذلك، فإن حدث التقسيم عليهم تقاسم المسؤولية عن الدماء معهم أيضاً.
الساكت عن الحق شيطان أخرس، وما أكثر الحقوق المسكوت عليها من ساسة المنطقة الخضراء وأتباعهم الذين يطمحون إلى مقاعد في البرلمان، والعديد منهم صاموا عن الكلام في جلساته إن حضروها، لكنهم لم يتخلفوا عن التصويت على منح أنفسهم الرواتب والمخصصات الفاحشة، وهؤلاء والمتاجرون بالدين والتكفيريون والفاسدون والمرتشون ومزورو الشهادات وسارقو المال العام كلهم قتلة، وهم وكل من يصوت لهم أو للمتسترين عليهم قتلوا ذلك الشاب العاطل عن العمل الذي انتحر، والمريض الفقير الذي لفظ أنفاسه عند مدخل مستشفى، والعجوز التي ماتت من سوء التغذية والسكن في العراء، والطفل المتسول الذي دهسته سيارة.
من منكم يريد أن يكون قاتلاً فليدلي بصوته لهؤلاء المرشحين.
(للإسلام غايتان عظمتان هما الإحياء والاصلاح، ووسيلة كبرى وهي التعلم)