في ٢٠٠٤.. احترمنا المواعيد.. وذهبت -كوزير للمالية- ودافعت عن الموازنة في جلسة ادارها يومها الاستاذ نوري المالكي بصفته نائباً لرئيس المجلس الوطني المؤقت.
كان اقرار الموازنة ضرورياً ايضاً لالغاء المديونية (١٢٠ مليار دولار تقريباً).. بفريق برئاستنا من المالية والبنك المركزي ومنهم الدكاترة الشبيبي وعزيز جعفر ومظهر صالح واحمد الابريهي.. عمل بدأناه حال استلامنا الوزارة في حزيران ٢٠٠٤.. ساعدنا المستشار القانوني السيد "لي" (مؤسسة "كليري"). قسمنا الدائنين لاربع جبهات.. تبدأ بدول "نادي باريس" الـ١٩ ليكون الاتفاق اطاراً للبقية.. والدول الاخرى.. والدول الخليجية.. والشركات والمؤسسات الخاصة. وخلال اشهر انجزنا المتطلبات والاجتماعات المفصلة مع الدول والمؤسسات وصندوق النقد، وقابلت منفرداً، ومع زملائي، الرؤساء والوزراء ومنهم الرئيس سركوزي (وزير المالية الفرنسية يومها) وطلبت مساعدته. تقدمنا لـ"نادي باريس".. وبعد ١١ يوماً من المفاوضات، وقعنا (٢١/١١/٢٠٠٤) اتفاق التخفيض (٨٠%).. وبالغاء بعض الدول ديونها بالكامل.. وشراء ديون الشركات بـ١٠% من قيمتها، خُفضت المديونية بنسبة (٩٠%).
قبل القاء الكلمة الرسمية امام اساطين المال لـ"نادي باريس" اردنا كسر الجمود.. فرويت الظريفة التالية: "استيقظت الزوجة ليلاً ووجدت زوجها في ارق شديد.. سألته عن السبب.. فقال الا تعلمين ان لدينا ديناً يستحق غداً مع جارنا.. ولا نملك المال. فقامت الزوجة للنافذة ونادت جارها.. فاجابها من نافذته هلعاً.. قالت، ياحاج تطلبوننا ديناً، ويتعذر علينا سداده غداً، وعادت لزوجها قائلة.. قم ونام.. فالجار هو الذي سيصيبه الارق الان". قلنا لمفاوضينا.. العراق اليوم بلد مفلس ومدمر، ولن تحصلوا منه على شيء.. لا توجد لدينا اقساط ديون ندفعها، لكن لدينا فرص استثمار كبيرة.. فاختاروا بين ديون معدومة، واستثمارات مجزية ومفيدة للطرفين. وقعنا الاتفاق.
واصل الجهود بعدنا، باحسن وجه، الوزيران الصديقان علاوي وصولاغ. تحرر العراق من عبء عظيم.. لكن المسارات تعثرت مجدداً.. حجزتها بناءات الدولة الريعية واحتكاريتها ومافياتها وبيروقراطيتها وعقليتها.. لتتحول الاموال السهلة والموازنة ونفقاتها العبثية، مجدداً، لمصدر اساس لسوء الادارة والتغول والفساد وتصاعد المديونية.. ولتعثر الاستثمار وحجز انطلاق الاقتصاد.