وهذه حرب حقيقية، ليس في الجبهات، وبين جيوش تضبطها قوانين الحرب.. بل في ساحات شعبية وسكنية، بدون اي شرع وقانون سوى افناء الاخر، وبابشع الصور. ولا يدعي احد ان الاوضاع الخدمية والاقتصادية والسياسية مخدومة بشكل مقبول ومرضٍ.. واننا عالجنا سوء الادارة وتعطل المصالح والفساد والانقسامات السياسية والفئوية والطائفية المهددة لوحدة البلاد والشعب. فالموازنة لم تقر.. وإن اقرت فامامها مشاكل، لعل اولها بون شاسع بين الموارد والنفقات.. فالصادرات اقل من التقديرات.. واسعار النفط لا تعالج العجز، رغم تحسنها النسبي. ونتائج الانتخابات لم يصادق عليها بعد.. والحكومة وبقية التشكيلات امامها مخاض عسير.. والقوى السياسية، ومنها قوى الساحة الواحدة، لم تحسم خلافاتها.. ولم تنظم محاور وحدتها وتوجهاتها.. وهي شروط لتنظيم سياسة موحدة، لقوى كبيرة واساسية، تكون قادرة على حمل مشروع البلاد للاعوام القادمة.
رغم هذه الحقائق وغيرها، تبقى الاوضاع غير مستحيلة.. فهناك حقائق اخرى، إن فُعِلت، فقد تنجح في قلب المسارات.. فنسب المشاركة الانتخابية مؤشر ايجابي ان غالبية الشعب مستعدة وحاضرة في الميدان.. ومشاركة وحماس الشعب اساس للنجاح. وموارد البلاد وامكانيات الانطلاق هائلة، لو احسن استثمارها. وعلاقات القوى السياسية ببعضها تزداد جدية ونضجاً، رغم كل الخلافات.. وتجاوزنا الكثير من العقد والاوهام والمقاطعات. وننعم بمرجعية تعتبر ميزاناً وبوصلة وراعية لحقوق البلاد والشعب بكل اطيافهم. ويمتلك العراق بيئة اقليمية تسمح له بالخروج من اجواء الاختناق والعزلة الى الفضاءات الواسعة، وهذه ركيزة لحضارات وادي الرافدين، واحدى اسس الانطلاق اليوم. ودستورنا، رغم ثغراته، بات موضع اعتراف الجميع، ومنهم المخالفين سابقاً. فالماكنة تضم مقومات الانطلاق، وبحاجة للمحفز او "لدفعة" من اصحاب الهمم لتدور الدواليب.. فان دارت، فستولد بذاتها زخمها الخاص، وتشحن وتعيد الحياة لكثير من الامور المعطلة.. فيتغير المزاج العام والحماس والعلاقات.. وسيتلمس الشعب التقدم، وستطمئن القوى لصحة مساراتها وبلوغ اهدافها.. سواء الجالسين في المقاعد الامامية او الخلفية، على اليسار او اليمين. وسيفهم الجميع، او الاغلبية، ان ربحه وتقدمه ليس على حساب خسارة وهزم الاخر.. ففي معادلة الاوطان، وحقوق الشعب، لا خاسر، والربح للجميع