فالامام (قده) عرفاني.. عاش في حب الله، ومات في عبوديته وتوحيده، ولا شيء اخر لديه غير ملاقاة الله.. فالامام اصولي "امامي".. يقول.. "ان اختلافنا –اليوم- يعود بالفائدة على اولئك الذين لا يعتقدون بمذهب الشيعة، ولا بمذهب السنة، ولا باي مذهب اخر، بل يعملون على محو هؤلاء واولئك معاً". هذا منهجه الثابت، طالباً ومدرساً ومرجعاً وثائراً. كتب عام ١٩٣٦ اولى شروحاته لـ"فصوص الحكم" لابن عربي، وهو "شيخ المتصوفة" و"الظاهري".. والباحث في الحقائق الوجودية الثلاث "الله، الكون، والانسان".. والقائل "من قال بالحلول فدينه معلول، وما قال بالاتحاد الا اهل الالحاد".. و"الحكم نتيجة الحكمة، والعلم نتيجة المعرفة، فمن لا حكمة له لا حكم له، ومن لا معرفة له لا علم له".
فالامام وحدوي بطبيعته، ناصر الحق في فلسطين وافغانستان والعراق، وكل مكان.. دافع في "الحكومة الاسلامية" عن الخلافة العثمانية امام الهجمات الغربية.. ولم يقل انا "شيعي" وذاك "سني"، فأدان الباطل، رغم جفاء العثمانيين، وظلمهم للشيعة خصوصاً.
يقول ادوارد سعيد في "تغطية الاسلام"، تجاهلت مئات الاطروحات الجامعية قبل الثورة الامام.. فالعيون لا ترى، تحت التأثيرات، سوى ما تريد رؤيته.. فيخرج الامام كالبركان الثائر.. وتنقلب الموازين المحلية والدولية، وتختاره "التايم" رجل العام (١٩٧٩). بهذا الفهم نرى رسالته لغورباتشوف قبل رحيله بـ(٦) اشهر، متنبئاً سقوط الاتحاد السوفياتي. فما لا يدركه كثيرون اننا ما زلنا في مرحلة هذا البركان، حتى يجد العالم الاسلامي والعالم كله، توازناً جديداً اكثر عدلاً وحرية.
لنترك التشويشات والتعصب.. وسنرى بوضوح ان الامام كان من اكبر صناع التاريخ المعاصر. فبفضله اهتزت عروش.. وتحررت شعوب.. فثورة التغيير كالعاصفة.. قد تتثير غباراً وترافقها اضراراً، فتغبش الرؤى، وتهتز نفوس.. فلا ترى الحركات الفاصلة بين تاريخ الذل والخضوع، وتاريخ التحرر والانطلاق. فالابواب شرعت.. وحقائق المستقبل ستؤكد ان الامام لم ينتصر لشعب ومذهب فقط.. بل انتصر ايضاً للمسلمين والمضطهدين وللبشرية عموماً.
و"إنا لله وإنا اليه راجعون".