لحظتها تأمّلتُ كثيراً و قارنتُ أخلاق الدّعاة ألشهداء آلذين عشنا وعملنا معهم سوياً في العراق و كيف كانت سيرتهم و كلامهم و نظراتهم و منطقهم و أدبهم بآلقياس مع البعض من هؤلاء المُتبعثين من حولنا, و تيقننت حينها بأنّ هناك دليلٌ أو أدلة أساسيّة لتلك الفوارق الكبيرة بين المؤمن الحقيقي و بين المُزوّر للتدين, أولها و أهمّها:
ألجذور الفكريّة و التربية السّياسية و آلأخلاقية, فقد تعلمت من القرآن و العظماء من أمثال الصّدر الأول؛ بأنّ المؤمن و كما وصفه الأئمة المعصومون و القرآن قبلهم يمتازون بخصوصيات تختلف عن الناس العاديين بدءاً بنظرتهم و جلوسهم و ملبسهم و إبتسامتهم و أكلهم و مظهرهم و حقيقتهم على المستوى العملي و فوق كل ذلك نصرتهم للولاية كمعيار أساس خصوصا في زمن الغيبة الكبرى .. تلك الولاية المتمثلة بولي أمر المسلمين في الدّولة الأسلامية المعاصرة و التي إستشهد الصّدر الأول من أجلها!
و آلدُّعاة الحقيقيون هم أوّل من يُضحون و ينفعون الناس و آخر من يستفيدون؛ يعيشون عيشة الفقراء أو حتى دونهم؛ يتصّفون بآلتّواضع و تلك الصّفات المحوريّة لم أرَ أيٍّ منها تنطبق على هؤلاء البعثيين المُدّعين للدّعوة و الأسلام و الأصلاح في عراق اليوم و حتّى الأمس القريب بعد ما خرج معظم الموجودين في الأئتلاف الشيعي من العراق أيام البعث بشكلٍ رسميّ و بإذن البعث نفسه و بجوازات عراقية وتأشيرات رسمية عبر المطارات و الحدود و لم يكن لأكثرهم في وقتها أية مشكلة سياسية أو أمنية مع النظام البعثي المجرم!
فيوم كنا نعمل في العراق خلال السّبعينات و في قلب بغداد المأساة و آلمحافظات العراقية الأخرى و نحن ننزف من الوريد إلى الوريد بسبب قلّة الناصر و العدد و الأمكانات و الحيلة أمام نظام جاهلي وحشي منظم و مسلح بكافة أنواع الأسلحة و المال و الخبث والأجهزة و الخبث و النفاق و الرّذيلة و بدعم كبير من الأستكبار العالمي الشرقي و الغربي؛ حينها لم أسمع و لم أتعرّف على أي إسم أو شخص واحد من جميع هؤلاء الموجودين اليوم في مراكز الحكم و آلبرلمان, من الذين نصبوا أو بتعبير أدق؛ نصّبوهم علينا كقادة و مسؤوليين, أقول هذا و أنا أقسم بآلله العظيم على هذه الشهادة!
و كنّا لا نهتم و لا نركّز و نحن في قلب المحنة و غمار الجّهاد في سبيل الله سوى على مسألة واحدة وهي مقارعة النظام و إسقاطه على الأقل بأيّة وسيلة و ليأتي من يأتي للحكم .. لأنه بلا شك سيكون افضل منه على الأقل, رغم إننا كنا قد وضعنا بآلحسبان قيادة الصّدر الأول أو القيادة الحقيقية للدّعوة و التي كانت تتمثل بمجلس الفقهاء من أمثال الشيخ الآصفي او الكوراني وآية الله العسكري أو السيد فضل الله و فوقهم جميعاً السيد كاظم الحائري و آلسيد محمود الهاشمي بعد شهادة الصّدر الأول ليكونوا هم المرشدون القادة لمسيرتنا و نظامنا بعد سقوط النظام, علماً أن إنتصار الثورة الأسلامية قد غيّرت مسار الدّعاة و نهجهم و جعلتهم أمام خيارين؛
الأول الخروج عن طاعة الصّدر الأول المؤسس للحزب(أحد الثلاثة المؤسسين) و تعني الخروج عن دائرة ولاية الفقيه!
و الثاني؛ هو الأنصهار و العمل ضمن مؤسسات الثورة الأسلامية بقيادة ولي أمر المسلمين و الجهاد ضد صدام خصوصاً و الحرب كانت قائمة بين البعثيين الأنجاس و بين الدولة الأسلامية التي رفعت شعار إسقاط النظام الصدامي بأي ثمن.
لكن الذي حصل و للأسف الشديد هو أن أكثر المدعين للدعوة – و الدعوة الحقيقية منهم براء – قد تركوا الأصول و التدين و الولاية و لجؤوا في أحضان اليهود و النصاري وسقطوا في الأمتحان وهم يتسكعون على أبوابهم من أجل لقمة خبز فذهبت ما تبقى من كرامتهم و دينهم و عزتهم و لم تنفعهم حتى المليارات التي سرقوها فيما بعد .. بعد عام ٢٠٠٣م بفضل القوى الأستكبارية من دماء الفقراء العراقيين, و آلحقيقة إن هذا المصير له جذور و حيثيات سنشير لها بإقتضاب!
فأثناء تلك المحنة العصيبة التي ألمت بآلعراق و بآلأخص خلال السبعينات كنا نُداوي جراحنا و آلامنا بعدّة (نشرات مركزية لم ترتقي لمستوى المرحلة إلى حد ما) و لم تتجاوز عدد الأصابع بجانب الأدعية و الآيات القرآنية للأستقواء على إدامة الجهاد و الصمود أمام تيارات المنافقين و الظالمين من القاسطين و المارقين و الناكثين في العراق!
و لا أنسى أهمّية و دور كتب السيد فضل الله و الشيخ المفكر الآصفي و كتب الأمام الخميني و الشيخ المطهري و علي شريعتي و الصّدر العظيم و التي طبعت أكثرها خلال السبعينات أو بعض النشرات التي حصلنا عليها من بعض مكتبات بغداد القديمة كبيان الأمام الخميني بشأن القضية الفلسطينية و التي أصدرها عام ١٩٦١م و كتاب (القضاء و القدر في حياة الأنسان) و فلسفتنا و إقتصادنا للصدر الأول و دور الدين في حياة الأنسان للآسفي؛ كمصادر أساسية في الفكر الأسلامي و الحركي!
و لا أخفيكم بأننا و جميع خطوط الحركة الأسلامية العراقية العاملة وقتها قد أهملنا إلى حدٍّ بعيد التربية الرّوحية و آلأخلاقية كمنهج أساسيّ في العمل على كل صعيد, و لم نركّز كثيراً على مسألة الأخلاق و التربية الرّوحية بإستثناء كتاب أستاذي الشيخ الشهيد حسين معن رحمة الله عليه(الأعداد الروحي) و بعض نشرات الأمام الصدر الأول(قدس), لكنها لم تكن الأساس و المحور و آلمجزي في تحركنا و لم تكن كافية و غنية تماماً لأشباع الروح الحركية التي عادة ما تحتاج لمثل تلك الثقافة و بآلعمق, بل كنا نركّز على الجانب السياسي و الجهادي و التنظيمي و تناقل الأخبار في تلك المرحلة!
و إستمر هذا النهج الأحادي المختل في التعامل مع الدّين و آلأحداث التي كانت تمرّ علينا كآلجمر حتّى بعد دخول الحركيين الأسلاميين إلى إيران بعد عام ١٩٨٠م أو قبله .. ثم تَعَرُّب أكثرهم إلى بلاد الغرب و منها لندن و أوربا بآلذات و للأسف الشديد و هي من أكبر الكبائر و كانت نتيجة طبيعية لتلك التربية الناقصة التي أشرنا لها, ليدوسوا بأقدامهم بعد هجرتهم و مواقفهم المخزية على جسد الأمام الصّدر الأول(قدس) الذي أوصانا و جميع العراقيين بأن ننصر الثورة الأسلامية في إيران لأنها حقّقت آمال جميع الأنبياء و المرسلين بحسب تقيّمه!
لكن و بسبب محدودية ثقافة المدعين للدعوة لم يستوعبوا وصية الصدر كما لم يستوعبوا كلمات و نهج الأمام الأمام الخميني العظيم الذي عرف بخط الأمام لتمييزه عن باقي الخطوط الحزبية و المرجعية و المذهبية المختلفة التي كانت و لا زالت تدعي الأسلام كآلشيرازيين!
و من هذه النقطة – أيّ مسألة حذف الأخلاق و القيم من الحركة الأسلامية العراقية - بدأت مأساة الأسلام و الأسلاميين تنتشر حتى تشعبت في دائرة المرجعية الدينية في العراق – أقصد المرجعية التقليدية – عندما حذفت الأخلاق العملية من برنامجها و سلوكها و تعاملها العملي مع حقوق الناس خصوصا في جانب الحقوق المالية(أموال الخمس و الزكاة) و الموقف الأجتماعية(الموقف من النظام الحاكم) و من الأمة و ولي أمر المسلمين الذي يُوجب إطاعته من قبل الجميع و لا يجوز طرح أية مرجعية أخرى بجانبه لأنه سيكون تضعيفاً للأمة و تشتيتاً لشملها!
و من أهم و أقوى مؤشرات ضمور الأخلاق و القيم .. بل و حلول الأخلاق و القيم البعثية بدل الأسلامية بين العراقيين اليوم؛
هي مسألة الحقوق و الموارد الطبيعية و التّصرف بأموال الناس و بيت المال, فآلعاملين الأسلاميين اليوم في الكتل و آلأئتلافات و أعضاء البرلمان و الحكومة يقبضون شهرياً و منذ ٢٠٠٣م رواتب و إمتيازات لا تضاهيها أيّة إمتيازات في العالم و في أعتى الأنظمة الدكتاتورية الغنية و الفقيرة المحكومة بغطاء الديمقراطية أو ألدكتاتورية أو البيروقراطية و حتى الأسلام النجفي التقليدي المتحجر, و كذا المرجعيات أنفسها ألّتي تستلم المليارات من الحقوق لتودعها في بنوك اليهود في لندن و سويسرا بأسماء أبنائهم و كأنها إرث شخصي لهم, و لا نتكلم عن الفضائيات الصفراء التي ترتبط بها (كفضائية سلام) و (اهل البيت) و (الهدى)(١) التي تفتخر بإنضوائها تحت لواء اليهود و النصارى لتمرير خططهم بحق العالم الأسلامي الذي يئن من وطأة التآخر و الحرب و التناحر بسبب تلك الأبواق الصفراء المسمومة التي تبث من لوس انجلز و لندن و غيرها لتُعمق التفرقة المذهبية و الطائفية لأجل مصالحهم الشخصية و العائلية لدرّ الأموال من الشيعة البسطاء الذين يحبون أهل البيت(ع) و مظلومية الأمام الحسين(ع) و يتصورون بأن هؤلاء من الناصرين لقضية الأمام الحسين(ع)!
مأساة كبيرة و كبيرة جدّاً .. و كل يوم يطلع علينا هؤلاء المأجورين بقوانة جديدة و إعلام جديد و فتنة جديدة و فضائية جديدة و بلغة جديدة!
ففي بيان جديد عن مكتب الجعفري بعد لقائه بآلبعثي علاوي جاء فيه؛ "توقفنا على تقييم المرحلة السابقة، و ما لها و ما عليها، و ما نطمح اليه، و نعمل من أجل تطوير التجربة بالاتجاه الذي يجعل العراق يحتل مكانة بناء على ما حباه الله من ثروات كثيرة، و لا نكتفي أن نمارس عملية النقد فقط للذين مضوا، ولكن كيف نحول هذا النقد إلى بناء، و إلى مشاركة واسعة لجميع الاخوة بمختلف صيغ الحكومة التي يمكن أن يكون الجميع مدعوين اليها من دون استثناء، ليشمروا عن سواعدهم لبناء العراق الجديد و الحفاظ على السيادة الوطنية و نشر العدالة".
بآلطبع الأئتلاف العراقي و بعد مواقفه المخزية حتى قبال العملية السياسة و بآلذات دولة القانون التي فازت بآكثرية الأصوات و إعتبرناها أفضل كتلة بآلمناسبة من بين الكتل قد أثبتت – أي رئيس الأئتلاف و تياره - بأنهم قد هلكوا أنفسهم على مركز رئاسة الوزراء و بأي ثمن, بل إتخذوا موقفاً متشنجاً لم يتخذه حتى الأئتلافات الغير اسلامية الأخرى كآلعراقية و متحدون و غيرهما من دولة القانون و للأسف الشديد!
ثمّ كيف يمكن ألحفاظ على السيادة الوطنية و انتم تُحاولون تفريق وحدة الشيعة و تشتيت شملهم لتكون نتيجة المعادلة صفراً بسبب تضارب الأتجاهات و تخاصمها مع بعضها؟
بعد هذا أ لم تُجرّبوا حكومة المشاركة الوطنية و المحاصصة و آلوحدة و أمثالها و ما كانت نتائجها سوى المزيد من الفساد, وكان أعضاء الأئتلاف هم الأوائل في نهب الأمة!؟
و أخيراً كيف تتحقّق عمليّاً وحدة الأمة و العدالة و أنتم من أسّستم و عمّقتم ألفوارق الطبقيّة و المذهبيّة و الحزبية من خلال الحقوق و آلأمتيازات و آلرّواتب و المناصب و الكتل و آلأستثمارات التي لم نشهدها في كلّ دول العالم حتى في أعتى الأنظمة الدكتاتورية الظالمة!؟
فتباً و تعساً لكم و لما قدّمت أيديكم .. أيها المفسدون في الأرض, و الموت للجهل العراقي الذي هو سبب كلّ المأساة والتمادي في الفساد منذ أن قُتل عليّ(ع) بسيف البغي بسبب خط النفاق الذي إمتد إلينا اليوم من خلال الأسماء و المسميات الجديدة التي تحمل اليوم إسم الأسلام والدعوة و أهل البيت بحسب مقاسات المنافقين و البعثيين الحاكمين خصوصا في الأئتلاف العراقي الموحد, و لا حول ولا قوة إلا بآلله العلي العظيم.
للتواصل:
عزيز الخزرجي
(١) راجع مقالنا السّابق: [ الفضائيات الصفراء؛ ظاهرة خطيرة على البشرية]
وللمزيد عن شخصية البعثي العراقي و إن لم ينتمي للبعث رسمياً راجع: محمد عبد الجبار الشبوط مثال واضح للشخصية البعثية الفاسدة