الخطاب وسيلة للتعبير، ونقل حقائق مزروعة في العقل، من تربية وبيئة وإعتناق أفكار، والقرب من الحق يتطلب بلاغة بلا كلل، وأيضاح بلا ملل بوضوح لإدراك الهدف النبيل، وأخر يظهر الحنان، ويفتل الكلمات على أعقابها، لإيهام المتلقي عن نوايا الحديث، ويصمت عن الجياع والضحايا، وكل حرف يغتال جزء من الحقائق.
الكلام سلاح اكثر فتكاً من الأسلحة المحرمة، ومن كلمات سيئه سبب الحروب والنزاعات وإنقطاع العلاقات الإجتماعية والعائلية. وصارت الشاشات الملونة ومواقع النت، تنقل أحداث الى الملايين بثواني، ويتساقط منها على الرؤوس رصاص الإنحدار تجاه مصالح ضيقة.
نجل الكلمة ونقدس الشروحات الطيبة، ونفترض فنونها لأهداف سامية، تعبر عن دواخل الناس بلا مواربة ولا غموض ولا نفاق، هو كالشعر شعور والحديث هنا حضور للذات، وإنطلاق لما جبل عليه الأنسان لحب الخير.
ثمة من ترك السكة وسار على التراب، وإستخدم الكلام والموهبية للأرتزاق، وصوت مأجور تحت طلب السلاطين، يتفنن المديح والتملق وطلاء حائط لبناء منخور.
الفتنة سلاحها اللسان وكلماتها قنابل، ونارها تخرج من الأفواه، ورؤوس أقلامها تمزق أحشاء الامم والاخوة، وشتان بين بلاغة البليغ ابو كلل، وإلتفاف حنان الفتلاوي على الحقائق، وحركات عباس البياتي بالإنحناء للمكاسب والقرب من رأس مال الدولة، الذي غاب عنه الرقيب.
كم مرة نحتاج للصمت والهدوء، والعض على الجراح، وكم مرة تقبلنا الحقائق على مضض؛ لكن حينما تهاجم في بيتك ومشروعك ووحدة شعبك، لابد من الوضوح والشفافية وقوة البرهان، فقد ملنا كثيراً مع المائل كي نرفعه من السقوط، وشوهت الحقائق وذرُّ الرماد في العيون، وكم مرة شاهدنا ما خلف التل ولهث اللاهثون على تزويق الكلام وفبركته في الإعلام، ومن ثم عادوا بعد خسارة المال والرجال والوقت.
خزين قاسي من الكلمات، ونحن نقف أمام ماكنة إعلامية ضخمة أستنزفت اموال العراق، وحرب نفسية تخاطب العواطف وتشوه العقول، تركت بصمة سوداء وسيف مسموم يسل على الأبرياء. لسوقهم للإنقسام والفرقة والتناحر.
" الكلمة الطيبة صدقة"، و"الفتنة أشد من القتل"، و"خير الكلام ما قل ودل".
تذوقنا المرارة وتلاطمت امواج بحر مظلم علينا، والتماسيح التي لا تشبع لا يردها إلاّ المخلب الجارح، ولسنانُ بليغ لا يكل حتى يضع الحقائق نصابها، فقد مزقنا زيف الحنان المفتول بنوايا التفرد وعلو الصوت المختال للحقائق، ووجه عابس يبت نوايا التسلط والتملق، وفرق كبير بين أشراقة صفراء تسر الناظرين، وغروب يجر بنا الى سواد ليل طويل، كثير الهمس والتخطيط لبيع الأخرة بدنيا السلطة.