قرأنا أن "مباحث التموين في محافظة غزة قد ضبطت- بالتعاون مع دائرة الطب الوقائي التابعة لوزارة الصحة- كمية من الدجاج الفاسد في أحد مذابح الدواجن في المحافظة"، وقرأنا أن مدير مباحث التموين الرائد جهاد حمادة قد أكد أنه بقيامه بجولة تفتيشيه على مذابح الدواجن، قد عثر في مذبح أحد التجار على ٢٥٠٠ كيلو من الدجاج الفاسد، حيث أكدت نتيجة الفحص الذي قام به أطباء وزارة الصحة والاقتصاد الوطني ووزارة الزراعة أن كمية الدجاج (٢٥٠٠ كيلو) فاسدة وأنها ذبحت وهي تعاني من إعياء شديد وأنها شارفت على الموت، وأن جزءاً منها كان ميتاً، وجزءاً آخر أصيب بحمى شديدة نتيجة موجة الحر الشديدة الأخيرة.
لقد قرأنا ما قرأنا وأدركنا- لدى الوهلة الأولى لقراءتنا- أن حماة صحة المواطن ساهرون ومتنبهون ونابهون لمجرد أن مباحث التموين قد ضبطت وأن وزارة الصحة من خلال طبها الوقائي قد فحصت فتأكدت وأكدت. وماذا بعد؟!
وماذا بعد؟! هذا سؤال لا يستدعي أن يجاب عليه، فهو سؤال ناقد يستفز كل صاحب ضمير أنيطت به مسؤولية في سياقه! فإذا كانت مباحث التموين قد ضبطت فساداً أكدت بالفحص الطبي على وجوده وزارات مختصة ثلاث هي الصحة والاقتصاد الوطني والزراعة، فهل ينتهي الأمر عند هذا الحد وتطوى هذه الصفحة؟!
وإذا كانت هذه الكمية الكبيرة من الدجاج الفساد قد ذبح بعضها وهي تعاني من المرض والإعياء، فيما ذبح بعضها الآخر بينما كانت مشرفة على النفوق، فيما بعضها الآخر قد تم ذبحها وهي نافقة، فهل يكفي- أيها الناس- أن تعلن مباحث التموين أنها أحبطت بيع ٢٥٠٠ كيلو من الدجاج الفاسد، وكفي الله المؤمنين القتال؟! هل يكفي أن يؤكد مدير مباحث التموين الرائد جهاد حمادة أنه قام بجولة تفتيشيه فعثر في أحد المذابح على٢٥٠٠ كيلو من الدجاج الفاسد؟! وهل يكفي أنه قام باستدعاء المختصين من وزارات الصحة والاقتصاد والزراعة؟! وهل يكفي القول بأن المختصين في هذه الوزارات الثلاث قد أكدوا ما أكدوه؟! من هو صاحب هذا المذبح الذي ذبح هذا الدجاج الميت بعضه والمريض بعضه والمصاب بالحمى بعضه؟! من هو هذا التاجر الذي يسعى أن تتكرش بالحرام بطنه وتمتلئ من موت الناس خزائنه وتنتفخ عاهات الناس من جيوبه؟! إنني لا أتدخل في القضاء أبداً، ولكن مدير مباحث التموين هو الذي قال إنه ضبط هذه الكمية الفاسدة في مذبح تاجر محدد يعرفه. إذاً، فما الذي يمنع الإعلان عن اسم هذا التاجر لا لشيء إلا ليقاطعه بنو شعبه الذي يصر على الإضرار بهم نظير مال حرام يذهب إلى جيبه وإلى بطنه وإلى كنوزه وخزائنه؟!
وبعد، فإن شعبنا لم يعد بحاجة- البتة- لتصريحات حكومية دعائية بتنظيم حملة واسعة التفتيش على المواد الغذائية واللحوم الطازجة والمجمدة وعلى المذابح للتأكد من سلامة اللحوم والدواجن وصلاحيتها للاستخدام الآدمي، كما أن شعبنا لم يعد أيضاً في حاجة أبداً إلى أن يسمع مجرد تحذيرات "لكلّ من تسول له نفسه القيام بمثل هذه الجرائم"، غير أن شعبنا هو في أمس الحاجة- بدلاً من استخدام لغة الترويج لصالح الحكومة ولغة التحذير ضد مرتكبي هذه الجرائم- إلى إجراءات عملية ميدانية سريعة، بموجب القانون، ضد مرتكبي هذه الجرائم.
أما آخر الكلام، فإن من حق الناس أن يعتبروا أن الإعلان عن عرض ملف هذه القضية على النيابة العامة إنما هو عمل تمويهي لا علاقة له بحكم القانون بقدر ما له من علاقة من شأنها أن تقنع الناس أنهم في أيدٍ أمينة، فيما حياتهم وصحة أطفالهم إنما هي تحت التهديد بالموت في كل يوم.
بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة