فكل ما يأتينا من الله هو خير .. لو كُنّأ نعرف صفات الله و ألطافه و سبب خلقنا في هذا الوجود!
لكننا و بسبب قلّة معلوماتنا و وعينا و إيماننا بآلله؛ لا نقدرُ على معرفة تلك آلخفايا و علّاتها و آلحقائق كما هي, لأنّنا عادّةً مّا نرى آلظواهر فقط لذلك يصعب علينا كشف ألقضايا و الأسرار و الألطاف الجميلة الخافية التي ترافق أو تتبعُ لاحقاً كلّ محنة أو بلاء أو مرض قد يُصيبنا!
فمع تلك القضايا و المصائب الصّغيرة و آلكبيرة و الأمراض العارضة التي قد نبتلي بها يوميّاً أو فصليّاً أو سنوياً؛ هناك قضايا أكبر و أخطر و أعمق يبعدها الله تعالى عنا بآلضّمن بسببها, لكننا لا نقدر على تحديد وتشخيص ذلك!
و مع إصابتنا ببعض تلك آلأبتلاآت الطارئة و آلأمراض العارضة قد ندعو الله تعالى و نلحُّ بآلدُّعاء؛ لكن لا يُستجاب لنا أحياناً .. و هنا أيضاً علينا أنْ نصبر و نتأدّب بأخلاق الله و لا ننزجر أو نضطرب أو نُسيئ الظن بآلله, لأنّ تأخّر إستجابة ألدّعاء بحدّ ذاته قد يكون فيه هو الآخر الخير الكثير و فوائد عظيمة خافية و نحن لا نعلم بها!
لذلك علينا أنْ نُحسنَ آلظنّ بآلله في حال إستجابة ألدّعاء أو تأخّره أو حتى عدم إستجابته, لأنّ كلّ ما يقع علينا أو يأتينا من الله هو خير و صلاح يريد من خلالها تعالى أنْ يُقرّبنا له بعد تحقق الكمال و آلأخلاص فينا!
أمّا آلشّرّ فهو شيئ نسبيٌّ .. بل تيقّنوا بأنّ شيئاً في هذا آلوجود – صغيرةً أو كبيرةً - لا يقع إلّا بإذن الله خيراً كان أو شرّاً .. و أكاد أؤمن بعدم وجود ألشّر في هذه ألدُّنيا ألفانية فهو عارضٌ, بل و أؤمن بأنّ حالة آلجَبْر عندنا نحن آلمؤمنين هي أقرب إلينا من حالة آلتّفويض, مع إيماننا بكون ألمسألة حسب تقرير الأمام الصّادق(ع) هو؛ (لا جبر و لا تفويض .. بل أمر بين أمرين), لكن مع تلك الخصوصية – ألميل للجبر - التي أشرنا لها تخصّ المؤمنين الصّالحين الذين طَهُرَتْ سريرتهم كما علانيتهم!
لذلك إعتقادي هو قبول ما يقع علينا سواءاً كان خيراً أو شرّاً بكلّ رضىً و رحابة صدر و بلا إعتراض و آلتّفكر و آلتّأمّل بأبعاد ألحادث أو آلمرض أو آلمحنة مهما كانتْ و آلسّبب هو
لأنّ الله يريد بنا آلخير و اليُسر و لا يُريد بنا السُّوء و آلعُسر!
و إنّ آلأعسار أو المصائب التي تصيبنا أحياناً .. فيها خيرٌ كثيرٌ, لكنّنا نجهله و نحتاج عادة إلى المعرفة و إلى بعض آلوقت و آلتّحقيق و آلتجارب لنكتشف أبعاد و أسرار ذلك بمرور آلزمان و آلوقت!
تيقّنوا يا أخواني و أخواتي و أبنائي و بناتي و أحبائي بأنّ كلّ شيئ في هذه ألحياة .. بل كل الوجود – مُتقن و موزون و مرّتب و مبرمج و يسير بإنتظام بشكل تعجز عقولنا البسيطة الظاهرة من فهم آلياتها و قوانينها و غاياتها, بل نحتاج لفهمها إلى تشغيل العقل الباطن(١)!
فكلّ شيئ فيها يسير بإنتظام و قانون وعلّة و معلوم و سبب و مُسبّب و بإنسجام لا يقبل أدنى درجات الخطأ .. هذا ما لمْ يذنب العباد بسبب ألشّهوات و آلطمع و حبّ المال و الجاه و التسلط .. و ألذنوب التي سببها الشّهوات بنظريّ؛ هي آلّتي تجلب لنا المآسي بعد ما تعكر صفو الحياة و آلأفلاك و تناغم كلّ حركة في هذا آلوجود!
لا تتصوّروا بأنّ ذنبٍ صغيرٍ – كنظرةٍ سلبيّة مُحرّمة – هي مجرّد نظرة خفيّة عابرة لا يعلم بها أحداً و ستعبر و تنتهي بعد لحظة!
بل تيقّن بأنّ نظرتك ألسّلبية تلك لا تعبر بدون مُخلّفات, و قد تسبّب خسائر فادحة و خلل كبير في مسرى الحياة و شبكة العلاقات .. قد تصل في وقت لاحق إلى قتل آلنفوس ألبريئة و أنت لا تعلم ذلك و ربما تنسى بأن سببها الأساسي كان مجرّد نظرة!
لذلك حدّد الشّرع الأسّلامي – كما آلأديان ألسّماوية ألأخرى - قوانين و أدبيات تُحرّم حتى مثل تلك النّظرة .. و لا أعتقد بأنّ المؤمنين لا يعرفونها!
و آلذّنوب تبدأ بآلنّظرة البسيطة العابرة الباطلة ثمّ بآلكذبة الصّغيرة التي هي أم الخبائث و بحركة مغرضة تتبعها المحرمات الكثيرة, كآلعلاقات ألغير ألشّرعية و آلغيبة و النّفاق و النّميمة و غيرها و قد يصل إلى قتل النفس المحرّمة و العياذ بآلله!
فَإيّاكم .. إيّاكم من آلذّنوب حتّى آلصّغائر منها ..
إيّاكم .. إيّاكم من سوءِ ألخلق خصوصاً مع عوائلكم و ذويكم ..
إيّاكم .. إيّاكم من آلتّقرب إلى محارم الله سبحانه ..
إيّاكم .. إيّاكم من آلظلم و آلتّعدي و آلتّجاوز على آلآخرين ..
لاتبخسوا حقّ أحداً .. لا تظلموا .. لا تستغيبوا .. لا تظنوا سوءاً بأحدٍ لمجرّد عملٍ عارضٍ و للوهلة الأولى و بدون تدبرٍ أو محمل حسن ..
إحسنوا الظن بآلآخرين .. خصوصاً أهل البيت و آلأرحام ألّذين يعيشون معكم كالزّوج و الزوجة و آلشّريك و آلصّديق و آلبنت و آلولد و آلأخت و آلأخ و آلجيران ..
و إن بدى منهم بحقك أو أمامك سوء فحاول أنْ تُحسن آلظن بهم و تجد لهم فيها مخرجاً أو محملاً حسناً, و لا تظنّن بأحدهم سوءاً و أنت ترى له في الخير محملاً!
وكما يقول الحديث؛ ( إحمل أخاك سبعين محملاً)!
حاول أنْ تجد لأخطائهم أعذاراً و محامل و سترى آلنتائج الطيبة ألعجيبة حتماً!
لا تحكموا عليهم بآلباطل و آلظّن و لا حتّى بآلحقّ ضدّهم .. بل إبحثوا لهم عن سبب لمواقفهم المشينة بحقّكم!
و لو ثبت لكم أحياناً خطأ أحدهم بحقّك؛ فإكره فيه خطأه فقط و إمْقتْ موقفه المشين ذاك حصراً و لا تكره أو تحقد على شخصيته و تعاديه بآلكامل!
فشهر آلصّيام هذا .. هو شهر آلأخلاق كما أسميته .. و قد جعله الله تعالى لتزكية ألنّفوس حين قال: [ كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون] و خلاصة و فلسفة التقوى هو؛ إجْتناب محارم الله و التكثير من الأتيان بآلمحاسن!
و لا تتحقق التزكية إلا بتحقق مكارم الأخلاق في وجودنا و التي تنفي و تُمحي من وجودنا كل نظرة سوء أو فكر سيئ أو عمل قبيح أو حرام!
فللقلب (إُذينيّن و بُطينيّن) كما هو معروف .. فآلأُذُنين هما باب ورود القلب فإجعلوا الوارد إليه خيراً و حسناً ليكون الخارج منه - من البُطينيّن – خيراً وحسناً!
فلو صفيَ القلب و إمتلأ وجودنا بآلخير و المحبة و الفكر الأيجابي لتخلّص الأنسان من كلّ الموبقات و الأحقاد و سوء الظن ضد الآخرين .. بل يكون مجمعاً للخير و مركزاً لنشر آلفضائل بين العائلة و آلعباد!
بل لا يبقى في وجوده غيض على الآخرين و يحبّ الجّميع .. و يعشق ألوجود .. و يتمنّى الخير للعالمين .. بل و يُحبّ حتى من كان يتصوّره عدوّاً لهُ!
و إعلموا أنّ تحقّق هذا آلأمر و نيلكم لتلك ألدّرجة العظيمة .. يعني تحقّق الأمان و الأطمئنان و الرّاحة النفسية و القلبية في وجودكم .. و آلتي معها فقط تستطيعون آلأبداع و آلأنتاج في كلّ مجالات ألحياة العلميّة و الأجتماعيّة و السّياسيّة و آلمعرفيّة!
فآلعائلة و آلقوم و آلشّعوب ألتي تُعاني ألأرهاب و سوء ألظن و آلفتن لا تنتج و لا تُبدع أبداً بل تكون شعوباً مستهلكة و سبباً في تخلف كلّ البشرية و دمارها!
فهل أنتم فاعلون ذلك يا أيّها الصّائمون ألذين تحمّلتم و تتحمّلون حرارة الصّيف و عطش و جوع آلأيّام؟
أمْ سينتهي شهر رمضان كما إنتهتْ من قبل مثيلاته و يرجع كلّ شيئ إلى ما كان على سابق عهده و كأنّ شيئاً لمْ يكن و آلعياذ بآلله و لا يبقى لنا من آلأجر سوى ثواب الجّوع و العطش الذي كابدناه و كم هو محدود هذا!؟
أسأله تعالى أنْ يزيد معرفتكم بآلله و بآلخلق و آلوجود!
لأنّ المعرفة هي آلسّبب ألأساسيّ في تحقّق سعادة البشرية و رقيّها الحضاري, و في آلختام أنهي حديثي بحديث شريف متواتر و متفق عليه هو:
(لا يكمل إيمان أحدكم حتى يعيش بين آلخوف و آلرّضى) و هذا هو ديدن المؤمن على طول الخط حتى لقاء الله تعالى, و آلحمد لله رب العالمين, و لا حول و لا قوّة إلا بآلله العلي العظيم.
عزيز الخزرجي