لا اعتقد ان شعوباً ضحت كشعوبنا من اجل اوطانها، رغم ذلك ما زال المواطن يجلد باسم "الوطنية" التي افرغت من محتواها واصبح هدفها، في اغلب الحالات، الدفاع عن الحاكم والمسؤول.
خسرنا فلسطين، وهُزمت جيوشنا، ولم نخجل، ولم نعترف بضعفنا، ونصلح احوالنا الذي اساسه، التوكل على الله سبحانه، وتغييب الشعب، واحترام حقوق المواطنين وحرياتهم، بل بقينا ننفخ ابواق النصر، دون تهيئة شروطه.. وسقطت عروش "مرحلة الاستقلال"، وجاءت انظمة "مرحلة الوطنية". واستمرت هزائمنا.. نخسر الانسان والضحايا وفرص الحياة، ونزداد تفككاً وانقساماً.. نخسر الارض واخرها الموصل، وغيرها الكثير.. ونخسر كرامتنا وامننا، رغم ذلك ندعي الانتصارات والبطولات.
الوطنية ان جردت من المواطن وحقوقه وارضه وحياته وامنه وتقدمه تتحول الى افيون لخداع المواطنين والشعب. فالوطنية الحقة هي عندما يشعر المواطن بحريته في وطنه لا في معسكرات وبلدان اللجوء.. وعندما يعتاش المواطن من مصالح بلاده لا من الهبات الاجنبية.. وعندما يتجول في ارض بلاده حراً كريماً، وليس سجيناً في وطنه، تمزقه الهويات الطائفية والتقسيمات الاثنية والحروب الاهلية، والاعمال الارهابية و"الميلشوية"، كما جرى في "ديالى" مؤخراً، وفي "سبايكر" قبلها، وعشرات الاعمال اليومية التي تسترخص دماء المواطنين.. الوطنية هي توفير الامن وحماية الحقوق والدفاع عن الحريات.. وهي تقدم التعليم والطب والعلوم والادارة والسكن ومكافحة التخلف والفقر والبطالة والارتقاء بحياة المواطن الى حياة المواطنين في الامم الراقية. فالوطنية ستبقى مثلومة ان لم ترتبط بالمواطن. ستبقى ناقصة، بل اكذوبة، ان عزلت نفسها عن المواطن ومصالحه وحقوقه ومستقبله.
الوطنية ليست الموت من اجل الوطن مجرداً.. بل العيش الحر الكريم في وطن، ندافع فيه حتى الموت عن نظام يكتسب سلطاته وسيادته من المواطنين.. ونحمي حقوقاً ومكتسبات وثوابت دينية ووطنية يتمسك بها الشعب امام اي عدوان محلي واجنبي.. الوطنية هي ليست في كثرة صناعة الاعداء الداخليين والخارجيين، بل هي في مراكمة الصداقات التي تستجذب القدرات والموارد المشروعة، لتكون اضافة كمية ونوعية لرقي وأمن وتقدم بلداننا. وتجعل قيمة الانسان والمواطن وحقوقه وحرياته هي القيمة العليا التي توضع في خدمتها كل مؤسسات الدولة والمجتمع، وكل القوانين والتشريعات.
في بعض الدول، عندما تسأل شرطياً او عسكرياً امراً ما، يقوم بتحيتك تعبيراً، انك الآمر، وان الدولة ورمز قوتها مسخرة لخدمتك كمواطن.