بعد الذي مر بالعراق، بدءا من الحرب مع إيران، مرورا باحتلال الكويت، ثم الحصار البغيض، وإسقاط النظام باحتلال شامل، الى ثماني سنوات هدرت بولايتين شكلتا فترة مظلمة انتهيتا باحتلال ثلث الأرض وتنفيذ ابشع هولوكوست بشري في سبايكر وسنجار وتلعفر وغيرها، صار صعبا على الكاتب ان يتفاءل او يبشر بالخير. صارت، وللأسف، حتى الدعوة للمحبة او لزرع بذور السلام خيانة عند الكثير من ناسنا.
شتمني كثيرون بسبب عمود الأمس لأني استبشرت خيرا بمحبة الجيران للعراق. وأمس أيضا شتم احدهم بكلام جارح زميلا لنا. لماذا؟ لأن الزميل كتب عمودا تساءل فيه: "ما مشكلتكم مع الكرد؟".
وأحدهم ناشد الصديق، الذي نشر عمودي على صفحته، ان يحذفه. ليش؟ إكراما لعيون الشهداء بحسب أوامره! استفزه قولي "أشعر بأني لأول مرة منذ أربعة عقود، أو اكثر، بان خارطة العراق محاطة اليوم بالأصدقاء وليس الأعداء". شتم كل جيران العراق وحتى جيران جيرانه بأبشع الشتائم. لم يغضبني، بل زادني يقينا بان ما كتبته بعد النكبة مباشرة كان صحيحا. التمس له العذر واستخطيه لأنه يعيش تحت وطأة أفكار تسلطية تمكنت من عقله بعد ثماني سنوات من الشحن بالأوهام وعقد الكراهية للغير. انها "البارانويا" التي لم أخف مخاوفي من انتقالها من ذهن الحاكم الى أذهان الجماهير. حاكم يردد على مدار الساعة، ومعه حشد من إعلاميي السلطان وبطانته: انهم يكرهون العراق! فما الذي نتوقعه؟ هل غير مرض خطير يتجذر في النفوس والعقول. ولو لم يكن مرضا لشكر الإنسان السوي من يبشره بكثرة الأصدقاء وقلة الأعداء حتى لو كان مجرد أمل. هكذا أراد لنا الطغاة ان نكون مثل القشة التي تعاكس التيار ليتنعم ونشقى.
أمس، أيضا، خصصت احدى الفضائيات، التي أنتجتها مرحلة الثماني السنوات الداكنة، برامجها لشتم جيران العراق من الباب الى المحراب. رسالتها للعراقيين أن لا تصدقوا بان لكم جيرانا يحبونكم بل انهم يكرهونكم ولا يريدون لكم الخير. أية دولة ستستقر وإعلامها يتبجح بزرع بذور الكره والعداوة.
أظنها معضلة أخرى ستواجه رئيس الحكومة الجديدة لا تقل خطورة عن معضلة الطائفية وتفشي الفساد والفقر والموت. اعرف ان الحل ليس سهلا. فلا اللقاح ولا العلاج بعد اليوم ينفعان في القضاء على فايروس الكراهة الذي انتقل من عقل الحاكم الى عقول البسطاء. الحل قد يكون بإصدار قانون يدعو لاستئصاله عن طريق نهج إعلامي وتربوي سليم يخاطب العقل قبل العاطفة.